الأربعاء، 5 أغسطس 2015

دور جمعيات حماية المستهلك أمام القضاء في التشريع المغربي
تقوم  جمعيات حماية المستهلك بدور فعال في تمثيل المستهلكين  أمام القضاء ولعل ما يفسر ذلك التنظيم التشريعي الذي اهتم بالدور الذي تختص به في هذا الجانب ، والذي لم يعترف لها به إلا أخيرا  بمقتضى قانون حرية الأسعار والمنافسة المنفذ بمقتضى (ظهير5يونيو 2000)[1] وما تلته من تشريعات لاحقة ، من خلال منحها صفة التقـاضي ،وسنتناول  هذا الدور الذي تمارسه في قانون حرية الأسعــار والمنـافسة( الفقرة الأولى)ثم قانون المسطرة الجنائية الجديد (الفقرة الثانية)وقانون حماية الملكية الصناعية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى:على مستوى قانون حرية الأسعار والمنافسة
نصت المادة 99 من قانون حرية الأسعار والمنافسة على أنه:
 "لجمعيات المستهلكين المعلن أنها ذات منفعة عامة، أن تنتصب طرفا مدنيا أو أن تحصل على تعويضات عن الضرر اللاحق بالمستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة".
ويشكل هدا النص ثورة على النظام القانوني لتمثيل المستهلك من عدة نواحي :
-أنه أول قانون في المغرب منح لجمعيات المستهلكين الصفة للتقاضي أمام القضاء المدني أو الجنائي للدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين،
-أنه يعد طفرة تشريعية متقدمة بالمقارنة مع مدونة الاستهلاك الفرنسية التي لازالت تحظر على جمعيات حماية المستهلك رفع دعوى مدنية مستقلة عن الخطأ الجرمي للمطالبة بتعويضات عن الضرر اللاحق بالمصلحة الجماعية للمستهلكين،بخلاف التشريع المغربي الذي رفع كل لبس وجدل بتنصيصه صراحة على أنه يمكن لهـا أن تنتصب طرفا مدنيـا(أمام القضاء الجنائي) أو أن تحصل على تعويضات عن الضرر اللاحق بالمستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة.
ذلك أن المقصود بالدعوى المدنية المستقلة ليس الدعوى  المدنية المستقلة عن الدعوى العمومية وان استندت إلى الخطأ الجرمي ، وإنما أساسا الدعوى المدنية المستقلة عن الخطأ الجرمي ،وان كان يجوز أيضا من باب أولى إقامة دعوى مدنية منفصلة عن الدعوى العمومية وان استندت إلى الخطأ الجرمي ، طبقا لقاعدة الخيار (المادتين 9و10من ق.م.ج).

-أنه يتجاوز القواعد القانونية التقليدية للصفة والمصلحة طبقا( للفصل 1من ق.م.م والمادة 7فق1من ق.م.ج )اللذان يحتمان توافر المصلحة الشخصية المباشرة ،
- أنه يتجاوز القواعد القانونية التقليدية التي تعتبر النيابة العامة هي الحامية الوحيدة للمصلحة الجماعية التي تنتظم داخل المصلحة العامة،
-أنه يمكن من اتساع النطاق الحقوقي لعمل هذه الجمعيات ،بحيث يتحدد مجال اشتغالها بكل القضايا المدنية أو الجنائية أو الإدارية أو التجارية التي تدخل في عالم المنافسة والاستهلاك.
-أن منحه الصفة لهذه الجمعيات ينحصر في الدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين،لأنه هو مبرر وجودها ومحور عملها واهتماماتها.
والمقصود بالمصلحة الجماعية للمستهلكين الضرر الذي يمس مجموعة من المستهلكين ناتج عن أفعال متسعة النطاق وبالغة الانتشار،فهو ليس بضرر يمس المصلحة العامة ولا بضرر يمس المصلحة الفردية[2].
-أنه يمتع هذه الجمعيات بنفس الحقوق التي يتمتع بها أي طرف في الدعوى ،بحيث يمكنها المطالبة سواء أمام القضاء العادي أو المتخصص برفع الأضرار اللاحقة بالمصلحة الجماعية للمستهلكين من خلال وقف الأعمال المسببة لها،أيا كان الفاعل سواء من أشخاص القانون العام أو الخاص، وذلك تحت طائلة غرامة تهديدية والمطالبة أيضا بالتعويض العادل عنها الجابر الضرر وليس التعويض الرمزي[3]،كما يمكنها الطعن في الأحكام الصادرة بجميع طرق الطعن القانونية المتاحة.
الفقرة الثانية: على مستوى قانون المسطرة الجنائية الجديد
 نظم قانون المسطرة الجنائية الجديد لأول مرة الصفة التمثيلية للجمعيات بصفة عامة وليس فقط جمعيات حماية المستهلك، التي تخولها التقاضي للمطالبة بالحق المدني أمام القضاء الجنائي.
ونصت المادة 7من نفس القانون على أنه "يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة ،لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة .
يمكن للجمعيات المعلن أنها ذات منفعة عامة أن تنتصب طرفا مدنيا،إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي،وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي".
ويبدو من خلال هذا النص أن جمعيات حماية المستهلك لا تملك تحريك مسطرة الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنحية، لأن المشرع قصر تدخلها على ممارسة حقوق الطرف المدني بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو الطرف المتضرر.
وهكذا حدد المشرع عدة شروط لاكتسابها الصفة وهي أن تكون:
-مؤسسة بصفة قانونية،
-جمعية ذات منفعة عامة،
-مؤسسة قبل أربع سنوات.
-أن تمس الجريمة المؤسس عليها الانتصاب المدني مجال اهتمام الجمعية المنصوص عليه في قانونها الأساسي.  
و السؤال الممكن طرحه يتمثل فيما إذا كان مضي أربع سنوات على التأسيس شرط لم يتضمنه قانون 06.99 تلزم به جمعيات حماية المستهلك أيضا أم أنه يكتفى بشأنها بالشروط الواردة في قانون حرية الأسعار والمنافسة.
نعتقد كما هو رأي الفقه القانوني أن  جمعيات حماية المستهلك تظل خاضعة للشروط الواردة في قانون حرية الأسعار والمنافسة وليس لقانون المسطرة الجنائية الجديد باعتباره قانون خاص، والقاعدة أن الخاص يقدم على العام عند التعارض[4].
وهكذا يبقى قانون المسطرة الجنائية الجديد  بمثابة النص الإجرائي العام الذي ينظم الصفة التمثيلية للجمعيات بصفة عامة للادعاء بالحق المدني أمام القضاء الجنائي بصفة تبعية أو المدني بصفة أصلية مع الاستناد على الخطأ الجرمي  طبقا لقاعدة الخيار(المادتين 9و10من ق.م.ج).
الفقرة الثالثة:على مستوى قانون حماية الملكية الصناعية

  إذا كان المشرع سواء في قانون حرية الأسعار أو المنافسة أو في قانون المسطرة الجنائية اشترط حصول الجمعيات على المنفعة العامة لاكتسابها صفة التقاضي فان قانون حماية الملكية الصناعية خول للجمعيات المطالبة بالتعويض عن الضرر المترتب عن جريمة الاستعمال المباشر أو غير المباشر لبيانات المصدر[5] أو المنشأ[6] بكيفية كاذبة أو خادعة، إما في إطار الادعاء المباشر أو بالطريق المدني(المادة 183)،وذلك لحماية رضاء جمهور المستهلكين من كل غلط أو تدليس 

وهكذا اتسع مجال تدخل الجمعيات لتمثيل المستهلكين أمام القضاء بشأن مختلف حقوق الملكية الصناعية والتجارية مدنيا وجنائيا،مع ما يترتب عنه من حقها في المطالبة بوقف مختلف أنواع التزييف والتعويض عنها وإتلاف المتوجات والمواد المضرة بالصحة ونشر الحكم[7] .
وإذا كان قانون المسطرة الجنائية لا يمنح جمعيات حماية المستهلك حق تحريك مسطرة الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنحية لكون المشرع قصر تدخلها على ممارسة حقوق الطرف المدني بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو الطرف المتضرر،فان قانون الملكية الصناعية أجاز ممارسة الادعاء المباشر في حدود ضيقة.
كما منح المشرع  للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة حق طلب المشورة من مجلس المنافسة في كل مسألة مبدئية تتعلق بالمنافسة [8]( م 15 ).

كما أن المادة 4 من الظهير القاضي بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، منحت للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة تقديم الشكايات للمجلس الأعلى للاتصال السمعي والبصري المتعلق بخرق أجهزة الاتصال السمعي البصري للقوانين والأنظمة المطبقة على قطاع الاتصال السمعي والبصري خصوصا ما تعلق منه بحماية المستهلك ،وتملك هذه الجمعيات المطالبة بإيقاف الإشهار أو تعديله.










[1] - نظم المشرع المغربي قواعد المنافسة التجارية بالقانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، ويهدف هذا القانون كما تنص على ذلك ديباجته إلى تحديد الأحكام المطبقة على حرية الأسعار وإلى تنظيم المنافسة الحرة، وتحدد فيه قواعد حماية المنافسة قصد تنشيط الفاعلية الاقتصادية وتحسين رفاهية المستهلكين، ويهدف كذلك إلى ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية.
فقواعد المنافسة تستهدف إما بشكل مباشر أو غير مباشر حماية المستهلك بصفة أولية أو نهائية، ذلك أن أسعار السلع والمنتوجات والخدمات تحدد عن طريق المنافسة الحرة أي قانون العرض والطلب[.للتعمق حول هذا الموضوع،راجع ،محمد الهيني، الحماية القانونية للطرف الضعيف في عقد التأمين البري، لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص كلية الحقوق بفاس2005-2006،ص23.

[2] La protection judicaire des consommateurs, Lamy de droit économique 2003p1814.        

[3] -صعوبة تقدير الأضرار ومن ثم احتساب التعويض جعل بعض المحاكم الفرنسية تحكم بتعويض رمزي فقط ( 1أورو)،وهو ما عارضته محكمة النقض انظر: . Yves  Picod,Héléne Davo, Droit de la consommation,Armand,2005,p33
كما أن بعض الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع المغربية هي الأخرى قضت بتعويض رمزي فقط(درهم واحد)لفائدة الجمعية المغربية للمستهلكين رغم انعدام صفة هذه الجمعيات في إطار قانون المسطرة الجنائية القديم الملغى،
-حكم المحكمة الابتدائية لابن مسيك سيدي عثمان البيضاء الصادر بتاريخ 28/4/95 ملف جنحي عدد2020/ 95غير منشور،
 -حكم المحكمة الابتدائية لابن مسيك سيدي عثمان البيضاء الصادر بتاريخ 24/02/95ملف جنحي عدد2543/ 95غير منشور ،
-حكم المحكمة الابتدائية للدارالبيضاءأنفا الصادر بتاريخ 4/496 ملف جنحي عدد981/96،غير منشور.
أشارت اليها:نزهة الخلدي،الحماية المدنية للمستهلك ضد الشروط التعسفية-عقد البيع نمودجا-أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،كلية الحقوق أكدال الرباط-ص310.


[4] -و قد تنبه مشروع القانون المتعلق بحماية المستهلك إلى هذا التعارض ونص في فصله (152)على عدم خضوع هذه الجمعيات لمقتضيات الفصل 7فقرة2.
[5]-يراد بببان المصدر العبارة أو الشارة المستعملة للدلالة على أن منتجات أو خدمات ما مصدرها بلد أو مجموعة بلدان أو جهة أو مكان معين(م180).
[6]-تسمية المنشأ هي الاسم الجغرافي الذي يطلق على بلد أو جهة أو مكان ويستعمل لتعيين منتج يكون متأصلا منه وترجع جودته أو سمعته أو مميزاته الأخرى المحددة بصورة حصرية أو أساسية إلى الوسط الجغرافي الذي يشتمل على عوامل طبيعية وعوامل بشرية. (م181).
[7] -ولا يمكن إقامة دعوى بطلان براءة الاختراع وغيرها من حقوق الملكية الصناعية من طرف الجمعيات لأنها دعوى تنصب على الملكية وأيضا لعدم الاعتراف لها قانونا برفعها،انظر:محمد الهيني ،دعوى بطلان براءة الاختراع في قانون الملكية الصناعية الجديد،مجلة القضاء والقانون عدد151 ص180.
[8] - يقوم مجلس المنافسة بصفته جهاز ضبط إداري  استشاري بمراقبة الممارسات المنافية للمنافسة،ويمكن أن تشمل تدابير المراقبة وقف الممارسة المعنية وكذا إصدار أمر للأطراف بالرجوع إلى الوضعية السابقة إذا كانت هذه الممارسات تلحق مساسا خطيرا وفوريا باقتصاد البلاد أو اقتصاد القطاع المعني بالأمر أو بمصلحة المستهلكين أو المنشآت المتضررة [المادة 32 من قانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة]، إلا أن ما يعاب على هذا المجلس كونه يبقى مجرد جهاز استشاري بدون فعالية كبرى لأنه يفتقد لسلطة التقرير التي ترجع إلى سلطة الوزير الأول بحيث بدون هذه الموافقة تبقى توصياته حبرا على ورق.
[9] -وهكذا جاء في حكم للمحكمة الإدارية بمراكش صادر بتاريخ 19 مايو 1999"وحيث إن دور السلطة المحلية بشأن تأسيس الجمعيات يقتصر على تسليم وصل الإيداع و لا يحق لها أن ترفض تسليم هذا الوصل بدعوى خرق أي مقتضى قانوني ،وذلك لان القضاء طبقا للفصل السابع من ظهير تأسيس الجمعيات هو الذي يقرر حل الجمعية وإعلان حلة البطلان والأمر بإغلاق الأماكن ومنع كل اجتماع لأعضاء الجمعية ."حكم عدد64 مذكور عند،أحمد بوعشيق،الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية،الجزء الثاني،منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد16،ط/2/2004ص135. 

الثلاثاء، 17 مارس 2015

خصوصيات عقود التجارة الإلكترونية في القانون التونسي

المقدمة

     عقود التجارة الالكترونية هي عقود مبرمة عن بعد من خلال استخدام معدات وتجهيزات إلكترونية مهما كان نوعها لتخزين المعطيات . فاختيار مفهوم واسع للعقد الإلكتروني يضم جميع أنواع الشبكات (مغلقة أو مفتوحة) إلى جانب كل تقنيات المراسلة هو اختيار حكيم بالنسبة إلى السرعة التى تتطور بها التكنولوجيا. فالهدف من تبني هذا المفهوم الواسع في الواقع هو تغطية تكنولوجيات المستقبل دون أن يصبح القانون عتيقا وهو الاختيار الذي أقامه المشرع الأردني في تعريفه لهذا النوع من العقود .
أما بالنسبة إلى القانون التونسي فلم يتعرض المشرع إلى تعريف عقود التجارة الإلكترونية صلب تنقيح بعض الفصول في مجلة الإلتزامات والعقود بمقتضى قانون 13 جوان 2000 ولا حتى صلب قانون عدد 83 لسنة 2000 المؤرخ في 09 أوت 2000 والمتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية الذي أشار في الفصل الأول منه أنه "يجري على العقود الإلكترونية نظام العقود الكتابية من حيث التعبير عن الإرادة و مفعولها القانوني وصحتها وقابليتها للتنفيذ في مالا يتعارض و أحكام هذا القانون". من خلال هذا الفصل فلقد أراد المشرع التونسي إخضاع مفهوم العقود الإلكترونية إلى مفهوم العقود العادية الرضائية الملزمة للجانبين والتي يعتبر العقد فيها تلاقي الإيجاب والقبول. لكن الطبيعة اللامادية والافتراضية لعقود التجارة الإلكترونية تجعل منها عقودا مختلفة لها خصوصيات تخرج بها من المعتاد وهو ما يستوجب إتمام المنظومة القانونية القديمة ببعض أحكام جديدة تستلزمها الثورة المعلوماتية وتطور التكنولوجيا.
واستجابة إلى خصوصيات هذا الفضاء الجديد لم يكن المشرع التونسي معاديا لإدخال تنقيحات متفرقة صلب المجلة الجنائية من خلال قانون عدد 57 لسنة 2000، المؤرخ في 13 جوان 2000، كتنقيح فصول مجلة الالتزامات والعقود، التي وقع ذكرها سابقا ، وإتمام بعض فصول المجلة التجارية من خلال قانون عدد 61 لسنة 2000 المؤرخ في 20 جوان 2000. وبما أن القانون التونسي لم يعرف عقود التجارة الإلكترونية واكتفى ضمنيا بتقريبها من العقود العادية فكان من الضروري تكييفها من حيث طبيعتها القانونية بأنها عقود عن بعد يتم إبرامها بين أطراف لا يجمع بينهم مجلس واحد.
ويمكن تصنيفها إلى عقود ادعان وعقود رضائية فبالنسبة إلى عقود إذعان، لا يمكن للمتعاقد التفاوض في الشروط المعروضة، فهو مجبور على قبول أو رفض شروط التعاقد وكمثال لهذا النوع من العقود: عقود "الواب" وهي الأكثر شيوعا على الشبكة . أما بالنسبة إلى العقود الرضائية فتتخذ فيها حرية الأطراف على التفاوض أهمية كبرى وهي شائعة عندما تكون المفاوضة بين الطرفين عبر البريد الإلكتروني، مما يتيح الفرصة للمستهلك أن يناقش السعر المنصوص على الشبكة.
وبالرغم من أن المشرع التونسي قد أكد في تعريفه لعقود التجارة الإلكترونية بأنها من صنف العقود الكتابية فإنه لا يخفى على أحد أن هذه العقود مهما كان شبهها بالعقود العادية فهي تتميز عنها في بعض الأوجه الأخرى:
فماهي هذه الخصوصيات التي تميز العقود الإلكترونية عن غيرها من العقود الكلاسيكية؟ لللإجابة عن هذه الإشكالية سيقع التعرض إلى خصوصية إبرام عقود التجارة الإلكترونية في جزء أول ثم إلى خصوصية تنفيذها في جزء ثاني.

الجزء الأول: خصوصيات عقود التجارة الإلكترونية على مستوى الإبرام

لقد عرف المشرع التونسي المبادلات الإلكترونية بالفصل الثاني من القانون عدد 83 لسنة 2000 من أنها: المبادلات التي تتم باستعمال الوثائق الإلكترونية . فإنطلاقا من هذا التعريف لا يمكن للمبادلات الإلكترونية أن تتحقق بمجرد اتفاق شفوي بين شخصين أو أكثر بل لابد حتى في هذه الحالة من وثيقة مكتوبة وهو ما يجعل من هذا العقد عقدا يكتسي خصوصية تميزه عن العقود التقليدية. هذه الخصوصية تبرز على مستوى الشروط الجوهرية للعقد وعلى مستوى الشروط الشكلية .

الفصل الأول: الشروط الجوهرية في الإبرام عقود التجارة الإلكترونية

بناءا على أركان العقد الورقي كما أقره الفصل الثاني من مجلة الإلتزامات والعقود وعددها أربعة فإنه يمكن تقسيم شروط تكوين العقد إلى شروط تتعلق بالأشخاص وهي الأهلية والرضاء، ثم أخرى تتعلق بمضمون العقد وهي المحل والسبب. سوف نقتصر في دراستنا على تحليل الشروط التي تتعلق بالأشخاص وهي الأهلية والرضاء بما أن المتعلقة بالمحل والسبب لا تثير إشكالا لأن المبادئ العامة للالتزامات تنطبق عليها سواء أكانت عقودا تقليدية أو عقودا إلكترونية.

المبحث الأول :شرط الأهلية في عقود التجارة الإلكترونية

ينص الفصل الأول من القانون عدد 83 لسنة 2000 أنه يجري على العقود الإلكترونية نظام العقود الكتابية من حيث التعبير عن الإرادة و مفعولها القانوني و قابليتها للتنفيذ. إنه على هذا أساس وتطبيقا للأحكام العامة للفصل الثاني من مجلة اللإلتزامات والعقود نستنتج من أن الأهلية هي ركن أساسي في تكوين العقود الإلكترونية لكن خصوصية هذا الفضاء اللامادي تجعل من الأهلية شرطا يصعب التأكد من توفره.
الفقرة الأولى: الأهلية شرط أساسي في تكوين عقود التجارة الإلكترونية
بالرجوع إلى الفصل الأول من القانون عدد 83 لسنة 2000 نلاحظ من أن العقود الإلكترونية ينطبق عليها نظام العقود الكتابية من حيث صحها. وحتى تكون العقود صحيحة نص المشرع صلب مجلة الإلتزامات و العقود على ضرورة توفر أهلية المتعاقد من أنها شرط أساسي في إبرام العقود و بغيابها يعد العقد باطلا من أصله وهو ما نص عليه الفصل 325 من مجلة الإلتزامات و العقود في فقرته الثانية، إذ أن الالتزام يبطل من أساسه إذا غاب ركن من أركانه.
ولقد عرف الأستاذ محمد الزين الأهلية بأنها قدرة الإنسان على الالتزام وعلى مباشرته شخصيا لما يترتب على تصرفه من حقوق وواجبات. ويميز الفقهاء بين أهلية الوجوب وأهلية الأداء من ناحية أخرى، فأهلية الوجوب تتمثل في التمتع بالحقوق و تحمل الواجبات أما بالنسبة إلى أهلية الأداء فهي تتوفر في الشخص الذي يتمتع بأهلية الوجوب لممارسة ذلك الحق بنفسه خلافا لفاقدها الذي يمارس ذلك الحق من خلال نيابة وليه أو وصيه. إن الأهلية هي أحكام إلزامية تتصل بالنظام العام وبالتالي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها.
وللتمعن في مصطلح الأهلية يجب الإشارة الى أنها تتمثل في القدرة على التمييز. إذ أن الصبي أو المجنون يعتبران بموجب هذا المعيار فاقدين لأهلية الإلزام والالتزام. و لقد حدد الفصل 156 من مجلة الأحوال الشخصية أنه يعد غير مميز الصغير الذي لم يتم الثالثة عشرة من عمره وإن كل التصرفات التي يقوم بها كالبيع والشراء غير جائزة ولا تجوز إلا بإذن من الحاكم. من خلال هذا الفصل فإنه لا يصح إبرام عقد من قبل صغير لم يتم الثالثة عشرة من عمره، ويطبق هذا الحل على الصغير الذي تجاوز سن ثلاثة عشرة بما أن التصرفات في مادة العقود هي تصرفات قانونية تترتب عنها آثار قانونية وبالتالي فلا يصح التعاقد إلا بإذن الأب أو الولي.
ولقد أشار الفصل 7 من مجلة الالتزامات والعقود أن كل إنسان ذكرا كان أو أنثى يتجاوز عمره 20 سنة كاملة يعتبر رشيدا بمقتضى هذا القانون.
كما نص القانون التونسي على عوارض أخرى مؤثرة على الأهلية كالجنون في الفصل 160 من مجلة الأحوال الشخصية، وضعف العقل في الفصل 164 من مجلة الأحوال الشخصية.
إن نشأة وجود العقود الإلكترونية لا تتم إلا من خلال توفر شرط جوهري في شخص المتعاقد ألا وهو الأهلية لكن هذه يصعب التأكد منها في خصوص العقود الإلكترونية بما أنها عقود يتم إبرامها عن بعد خلافا للعقود العادية التي تبرم بين أشخاص يجمع بينهم مجلس واحد و في هذه حالة فإن التأكد من أهلية المتعاقد شيء يسير.
الفقرة الثانية: صعوبة التأكد من أهلية المتعاقد
إن خصوصية إبرام عقود التجارة الإلكترونية داخل هذا الفضاء اللامادي تجعل من إمكانية التعاقد مع شخص طبيعي أو معنوي مقيد الأهلية أو محجور عليه أو ممنوع من التعاقد بحكم القانون أمرا لا يمكن إستبعاده.
يعد القيام بعملية التأكد من أهلية المتعاقد، أمرا سهل في العقود العادية وذلك من خلال التثبت من الأوراق الرسمية أو بطاقات الهوية وما ييسر هذه العملية هو تواجد المتعاقدين في مجلس واحد . أما بالنسبة إلى عقود التجارة الإلكترونية فإن هذه العملية تتم عن بعد مع أشخاص طبيعية أو مع ذوات معنوية بعيدة عن الطرف الآخر و بالتالي فإن هذا النوع من التأكد والتثبت يكون عسيرا و لهذه الغاية فان التعامل في الفضاء الإلكتروني يستوجب من المتعاقد أن يقوم ببعض البحوث في ما يخص هوية الطرف المتعاقد معه.
فحتى يكون العقد الإلكتروني سليما مثل جميع العقود الأخرى يجب أن يصدر عن متعاقدين تتوفر فيهم أهلية التعاقد ولذا فإن التثبت من أهلية الطرف الأخر هي مسألة أساسية لتواصل العلاقة التعاقدية. ولقد تفاقمت مشكلة الأهلية على شبكة الإنترنات مع تفاقم إنشاء المواقع التجارية ويسر بعثها على الإنترنات بفضل برامج معلوماتية حديثة، أصبح ممكن امتلاك مواقع تجارية على هذا الفضاء اللامادي والتعاقد رغم غياب هذا الشرط الجوهري بالنسبة إلى عديمي الأهلية. و أمام أهمية ضمان سلامة التعاقد الإلكتروني فلقد قام المشرع التونسي من خلال القانون المتعلق بالتجارة الإلكترونية بإنشاء عملية المصادقة الإلكترونية التي تتمثل في اللجوء إلى طرف ثالث محايد موثوق فيه من كلا الطرفين وذلك للتحقق من هوية أطراف العقد الإلكتروني و بالتالي يستطيع كل طرف من خلال هذه الوسيلة التأكد من هوية الطرف الآخر.
لكن حتى في حالة المصادقة الإلكترونية يضل إبرام العقود مع عديمي الأهلية ممكنا إذ لا يتطلع جميع المستهلكين إلى بيانات شهادة المصادقة و يعود ذلك إلى ما تتطلبه هذه التجارة الإلكترونية من سرعة لتقليص الإجراءات والشكليات التي قد تعرقل تطورات هذا النشاط.
بالرغم من أن ركن الأهلية هو ركن بالغ الأهمية لكن يبقى في ميدان المعلوماتية الركن الذي لا يشغل بال التجار خلافا إلى ذلك فإن الدفع الفوري لثمن البضائع المبيعة أو الخدمات المسداة هو الذي يهم التجار. لهذه الغاية فإنه من النادر أن نجد نزاعات في خصوص مسائل الأهلية على مستوى العقود الإلكترونية.
وحتى يكون العقد الإلكتروني صحيحا فإلى جانب الأهلية فيجب توفر ركن الرضاء.

المبحث الثاني: خصوصية ركن الرضاء في عقود التجارة الإلكترونية

إن الرضاء هو ركن من الأركان الجوهرية و بإخلاله يبطل الالتزام وهو ما أشار إليه الفصل الثاني من مجلة الإلتزامات والعقود. بالنظر إلى عقود التجارة الإلكترونية فقد يكتسي تبادل الرضاء و سلامته في هذا الفضاء اللامادي خصوصية تميزه عن العقود الورقية.
الفقرة الأولى: تبادل الرضاء الإلكتروني
يمثل الرضاء توافق إرادتين فأكثر على إنشاء علاقات قانونية ملزمة تنصرف آثارها مباشرة إلى كل طرف متعاقد و يستمد الرضاء أصله من حرية الشخص في أن يتعاقد أو أن يمتنع عن التعاقد. قد يتم التصريح بالرضاء في العقود الورقية شفاهيا أو كتابيا أما التعبير عن الرضاء في الفضاء اللامادي فيكون عبر جهاز الحاسوب بالتالي يأخذ شكلا فوريا ويكون فيه العقد عقد الإذعان فلا يمكن للتاجر مثلا الراغب في عرض سلع أو خدمات وللمستهلك أيظا أن يخالف نظام الموقع.
يتمثل الإشكال الحقيقي الذي تطرحه العقود الإلكترونية في تبادل الرضاء عبر هذا الفضاء اللامادي. لاستيعاب هذه العملية سوف نتعرض في مرحلة أولى إلى خصوصية التصريح الإلكتروني بالإيجاب والقبول ثم في مرحلة ثانية إلى ضبط مكان التعاقد وزمنه .
1 التصريح بالإيجاب والقبول الإلكتروني
يتم التراضي بين الطرفين المتعاقدين بصدور إيجاب ثم قبول من قبل الطرف الآخر ويسمى القابل أو الموجب له. إن الإيجاب في العقود التقليدية هو تعبير عن إرادة حرة تصدر عن الموجب بطريقة شفاهية أو كتابية وتتضمن عرضا للتعاقد حسب شروط معينة. في مجال العقود الإلكترونية يأخذ الإيجاب شكلا مختلفا إذ يصرح الموجب في هذه العقود بعرضه على المواقع التجارية الموجودة على شبكات اللأنترنات بالتالي يكون إيجابه موجها إلى العامة . كما يمكن أن يصرح بالعرض في هذا الفضاء من خلال البريد الإلكتروني وخلافا لذلك فيكون الإيجاب موجها إلى شخص أو أشخاص معينة.
وليكون الإيجاب صحيحا باتا لا لبس فيه يجب أن يكون كامل الأركان على معنى الفصل23 من مجلة الالتزامات والعقود ولقد نص المشرع صلب القانون 83 لسنة 2000 المؤرخ في 09 أوت 2000 و المتعلق بالمبادلات التجارية على أنه تتسلط على البائع جملة من الالتزامات تسبق مرحلة التعاقد الهدف منها عرض معلومات يمكن على المستهلك في جميع مراحل المعاملة أن يطلع عليها وهو تحديدا ما نص عليه الفصل25 من نفس القانون المذكور أعلاه .
بالتوازي مع العقود التقليدية فإن الإيجاب في العقود الإلكترونية قد يكون مقيدا بأجل كما قد يكون إيجابا مجردا . فبالنسبة إلى الإيجاب المقيد بأجل فقد حدد المشرع التونسي صلب أحكام الفصل 25 من نفس القانون أنه يتحتم على البائع تحديد الفترة التي يكون فيها المنتوج معروضا بالأسعار والشروط المذكورة علي موقع "الواب" بالتالي فإن هذا الإيجاب هو مقيد بأجل كما تعرضت إليه مجلة الإلتزامات والعقود بالفصل 33 الذي اقتضى بأن من صدر عنه إيجاب وعين أجلا لقبوله فهو ملزم للطرف الأخر إلى انقضاء الأجل فان لم يأته الجواب بالقبول في الأجل المذكور انفك الإلتزام .
بالنسبة إلى الإيجاب غير المقيد فلم يتعرض المشرع التونسي صلب القانون المنظم للعقود الإلكترونية إلى هذه الحالة وبالرجوع إلى القواعد العامة لمجلة الالتزامات و العقود فقد نص فيها الفصل 27 أنه عرض شخص على شخص آخر حاضر بمجلسه عقدا من العقود ولم يعين له أجلا لقبوله أو رفضه فإن هذا العرض لا يترتب عنه آثار قانونية إن لم يقبله في الحين. بالنظر إلى العقود الإلكترونية وإمكانية وجود هذا النوع من الإيجاب فإن عبارة الفصل 72 "حاضرا بمجلسه" لا تتوفر في خصوص المبادلات التي تقع على "الواب" بما أنها مبادلات عن بعد.
و فيما يخص الإيجاب المجرد والمبرم بين غائبين فلقد ينص الفصل 34 من مجلة الالتزامات والعقود بأنه من صدر عنه الإيجاب بمراسلة بلا تحديد أجل بقي ملزما إلى الوقت المناسب لوصول الجواب إليه و يعتبر هذا الفصل أكثر تلاؤما مع خصوصيات عقود التجارة الإلكترونية إذ يضم هذا الفصل عمليات الإيجاب المجرد عبر شبكات اللأنترنات سواء أكانت من خلال البريد الإلكتروني أو من خلال المواقع التجارية اللامادية وعملا بمقتضى مبدأ الثقة والأمانة في التعامل فإنه في حالة الإيجاب المجرد يتحتم على الموجب احترام فترة التأمل المعقولة بغاية تمكين الموجب له من تحديد موقفه من الإيجاب الصادر لفائدته.
فالقبول فهو تعبير عن إرادة الموجب له، فإن تطابق القبول مع الإيجاب فذلك يؤدي إلى انعقاد العقد. و في خصوص شكل هذا القبول والتعبير عنه يمكن أن يكن صريحا كما يمكن أن يكون ضمنيا. وحتى ينعقد العقد زيادة إلى تطابق الإيجاب مع القبول يجب أن يكون هذا الأخير غير موقوف على شرط. أما إذا كان القبول بشرط فإن ذلك يعتبر رفضا للإيجاب ومصحوبا بإيجاب آخر وهو ما نص عليه الفصل 31 من مجلة الإلتزامات والعقود. ففي إطار عقود التجارة الإلكترونية يتم القبول بعد البحث عن العرض المناسب للبضاعة أو الخدمة التي ينتظرها المستهلك إثر الإطلاع على شروط البيع المنصوصة على اللأنترنات فقد يتم التصريح بالقبول من خلال الضغط على خانة يقترن على إثرها الإيجاب بالقبول عندئذ يصح العقد الإلكتروني. وما تجدر ملاحظته في هذا الشأن هو أن أغلب مواقع التجارة الإلكترونية على اللأنترنات تستوجب من المستهلك الضغط مرة أولى على خانة حتى يوافق على ما يتضمنه نص العقد الإلكتروني الذي سوف يبرمه مع البائع وموافقة ثانية من خلال الضغط على خانة ثانية وهوما يرتب عنه آثار قانونية.
تطرح خصوصية عقود التجارة الإلكترونية إلى جانب الإيجاب والقبول سؤالا هاما نظرا لطبيعتها الاستمرارية اللامادية
يتمثل في معرفة مكان وتاريخ إبرام هذه العقود.
2 ضبط مكان التعاقد و زمنه
يبرم العقد الإلكتروني عن بعد وفي هذا الصدد فإنه كبقية العقود المبرمة عن بعد أي العقود المبرمة عن طريق المراسلة على معنى الفصل 28 من مجلة الالتزامات و العقود. بموجب المسافة التي تفصل الطرفين فإن هذا النوع من العقود يقتضى تأخر القبول على الإيجاب بحيز زمني قد يطول أو يقصر بحسب الوسائل المستعملة. إن معرفة زمن تكوين العقد له أهمية بالغة في خصوص انتقال الملكية والمخاطر كذلك تحديد زمن العقد مهم لمعرفة القانون المطبق والمحاكم المختصة بالنظر في النزاعات التي قد تنشأ بين الطرفين و أخيرا تحديد زمن تكوين العقد مهم في احتساب آجال التقادم .
فقبل تحديد مكان وزمان تكوين العقد الإلكتروني فإنه من الضروري التذكير ببعض الآراء الفقهية المتعلقة بالعقود الخطية . هنالك نظريتان تعرف الأولى بنظرية صدور القبول ثم نظرية ثانية تسمى بنظرية تسليم القبول. ففي الأولى برز اتجاهان أولهما ينبني على مبدإ إعلان القبول مفاده أن العقد يبرم بمجرد إعلان الموجب له عن قبوله إلى الموجب. أما الاتجاه الثاني فقد تبنى مبدأ تصدير القبول وفي هذه الحالة لا يكون نهائيا إلا إذا كان من صدر منه قد بعث فعلا بقبوله إلى الموجب بحيث يصبح غير قادر على استرداده.
أما بالنسبة إلى نظرية تسليم القبول فهي النظرية الثانية وهي مبنية على اتجاهين مبدأ علم القبول و مبدأ استقباله. في الحالة الأولى يرى دعاة هذه النظرية أن العقد لايكون تاما إلا إذا وصل القبول إلى الموجب وفيما يخص النظرية ثانية القائمة على مبدأ استقبال القبول فهي تعتبر العقد تاما بمجرد التسليم سواء أعلم الموجب أو لم يعلم بمضمونه. بالرجوع إلى أحكام الفصل 28 من مجلة الالتزامات والعقود فلاحظ أن المشرع التونسي تبنى نظرية صدور القبول وبالتحديد اتجاه مبدأ القبول. ولقد نص هذا الفصل بدقيق العبارة على ما يلي: "يتم العقد بالمراسلة في وقت ومكان إيجاب الطرف الآخر بالقبول".
ونظرا لخصوصية عقود التجارة الإلكترونية فقد نص المشرع صلب الفصل 28 من قانون عدد 83 لسنة 2000 أن العقد ينشأ بعنوان البائع وفي تاريخ موافقة هذا الأخير على الطلب بواسطة وثيقة إلكترونية ممضاة و موجهة للمستهلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. ففي حالة العقود الإلكترونية فقد تبنى المشرع نظرية تسليم القبول وتحديدا مذهب العلم بالقبول .
إن تحديد مكان وتاريخ إبرام العقد الإلكتروني يكتسي أهمية من حيث معرفة زمن انتقال الملكية وكذلك انتقال المخاطر.
أ - زمن انتقال الملكية
لم يحدد المشرع صلب القانون المخصص لتنظيم المبادلات الإلكترونية زمن انتقال الملكية في عقود البيع الإلكتروني رغم أن هذا العقد هو أكثر العقود تداولا على الشبكة. ولقد نص الفصل 583 من مجلة الالتزامات العقود على انتقال ملكية المشترى إلى المشتري في حالة ما إذا تم البيع بتراضي الجانبين.
ومن بين خصائص انتقال الملكية نذكر الفورية وهوما يتماشى وطبيعة العقود الإلكترونية ثم خاصية الآلية بما أنه بإبرام العقد تنتقل الملكية كأثر ضروري لعقد البيع. لكن انتقال الملكية لا يتم في كل الحالات فوريا إذ في بعض الأحيان يتأجل في صورة عدم الدفع الكامل للثمن وهي نوع من الشروط التي يمكن أن يدرجها صاحب الموقع التجاري على الأنترنات لللاحتفاظ بالملكية طالما لم يتحصل على خلاص الثمن الكامل للسلع أو الخدمات.
ب زمن انتقال المخاطر
يعد انتقال المخاطر نتيجة حتمية لانتقال الملكية لكن القانون الخاص بمبادلات التجارة الإلكترونية ينص على وجود استثناء في حالة البيع مع التجربة، ففي هذه حالة يتحمل البائع الأخطار التي قد تتعرض إليها المنتوجات إلى غاية انتهاء مدة التجربة، لا يمكن الإعفاء من هذه المسؤولية ولا مخالفة أحكام الفصل 34 من قانون مبادلات التجارة الإلكترونية بالتالي فإن انتقال ملكية لا يؤدي إلى انتقال المخاطر بصفة آلية.
الفقرة الثانية: سلامة الرضاء الإلكتروني
حتى يكون العقد صحيحا فإنه إلى جانب ضرورة وجود الرضاء يجب أن تكون الإرادة المعبر عنها صلب القانون سليمة من كل عيب فلم يخصص المشرع لعيوب الرضاء الإلكتروني فصولا صلب قانون عدد 83 لسنة 2000 فإن الفصل 43 من مجلة الإلتزامات والعقود هو الذي ينطبق على العقود الإلكترونية إذ يمكن بموجبه إبطال الرضاء الإلكتروني الصادر بناءا على غلط أو تدليس أو إكراه. بالإضافة إلى هذه الحالات التي يمكن إبطال العقد فيها فلقد أحاط المشرع الإرادة المعبر عنها إلكترونيا بحماية خاصة من خلال إرساء بعض الآليات القانونية.
1 عيوب الرضاء الإلكتروني
يمكن تصنيف العيوب التي تنال من صحة الإرادة المعبر عنها إلكترونيا إلى الإكراه، الغلط والتغرير. فبالنسبة إلى عيب الإكراه خلافا للعيوب الأخرى فهو مستبعد بما أن العقود الإلكترونية تبرم عن بعد يستبعد فيها الاتصال المادي بين المتعاقدين لذلك ينعدم وجود إكراه بدني بين الطرفين. أما بالنسبة إلى عيب الغلط والتغرير فقد تزداد نسبته داخل الفضاء اللامادي مقارنة بالعقود المدونة.
أ الغلط في عقود التجارة الإلكترونية
يعتبر الغلط وهما يقوم في ذهن الشخص فتبدو له الأمور على غير حقيقتها الشئ الذي يدفعه إلى التعاقد، ولا يتعاقد لو علم الحقيقة. فالغلط في عقود التجارة الإلكترونية هو عيب يكتسي معناه أهمية قصوى إذ أن غياب الاتصال المادي بين المستهلك وبين الشيء المراد اقتناؤه أو بين المستهلك و شخص البائع يعرقل شفافية المعاملة التجارية فبالتوازي مع الطبيعة الافتراضية للفضاء الإلكتروني يمكننا الحديث عن افتراضية محل العقد أو بائعه. ونميز في هذا الشأن بين الغلط في القانون والغلط في الواقع. إن حالة الغلط في الواقع هي الحالة الأكثر شيوعا في نطاق عقود التجارة الإلكترونية فقد تفاقمت نظرا لقصور الحاسوب على نقل صورة مطابقة للحقيقة. إن طبيعة هذه المعاملات و ما تستوجبه من سرعة في التعامل و استعمال لتقنيات عالية ومتطورة تجمع بين الصورة والصوت لا تترك مجالا للمستهلك للتثبت والتحري من محتوى هذه المواقع التجارية .
ب التغرير في عقود التجارة الإلكترونية
يمثل التغرير أوالتدليس غلطا مستثارا يقع فيه الشخص تحت تأثير الحيل فهو يتصور الأمور على غير حقيقتها وهو ما يدفعه على التعاقد على أساس أوهام ساهم في افتعالها الغير. يكتسي التغرير في عقود التجارة الإلكترونية معنى خاصا نظرا لصعوبة مراقبة محتوى المعلومات ومدى مطابقتها للخدمات و للسلع التي يعرضها التجار إلى جانب الإشعارات الكاذبة. يقوم التغرير على عنصرين اثنين هما العنصر المادي والعناصر المعنوي.
- العنصر المادي
يتكون العنصر المادي في إطار عيب التغرير بمجرد صدور طرق ووسائل معتمدة للتضليل والاحتيال. كما يتحقق العنصر المادي من خلال الكتمان ويقصد به السكوت عن أمر معين من مصلحة الطرف الآخر معرفته . فإن هذا السكوت عمدا هو أسلوب يستعمل غالبا نحو الطرف المقابل لغاية دفعه للتصريح برضائه و حمله على التعاقد.
- العنصر المعنوي
إن التغرير لا يتوفر من دون نية التضليل أي لابد من قصد الإيقاع بالطرف الآخر و حمله على التعاقد. إنه من الضروري التمييز بين التغرير المغتفر مثال ذلك حالة المبالغة في مزايا البضائع أو الخدمة ثم التغرير اللامشروع الذي يبنى على استعمال المخاتلات أو الكنايات إلى حد النيل من سلامة الإرادة وهو ما يجعل العقد قابلا للإبطال.
فأمام تفاقم كل هذه الأنواع من الحيل و العيوب التي تنال من رضاء المتعاقد فقد قام المشرع التونسي بالتدخل لغاية حماية الإرادة المعبر عنها إلكترونيا من العيوب.
2 حماية الإرادة المعبر عنها إلكترونيا
تتسم عقود التجارة الإلكترونية باختلال التوازن بين التاجر و المستهلكين. ولقد يهيمن التجار علي غيرهم داخل هذه العلاقة التعاقدية من خلال استعمالهم لوسائل متطورة و تقنية في مجال التسويق التجاري. فالمستهلك في هذا العالم الفرضي هدفه هو الحصول على سلع أو خدمات تتطابق مع رغباته باحترام الشروط التي تم الاتفاق عليها مسبقا، لكن يتعارض هذا مع نية بعض التجار ولغاية حماية المستهلك فلقد أدخل المشرع التونسي عددا من القوانين يهدف من خلالها إلى تعديل موازين القوات بين الطرفين ففي هذا الإطار وقع إصدار القانون عدد 46 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية 1991 و المتعلق بالمنافسة والأسعار، ولقد فرض هذا القانون ضرورة إعلام المستهلك وضمان المنتوج كما ضبط المخالفات والعقوبات للحد من عملية الغش والتحيل والتدليس . ونظرا للمسافة التي تفصل بين التاجر والمستهلك فلقد أصدر المشرع التونسي أحكاما خاصة للبيع عن بعد من خلال القانون عدد 409 لسنة 1998 المؤرخ في 02 جوان 1998. كما أكد المشرع حماية المستهلك من خلال قانون عدد 83 لسنة 2000 المؤرخ في 09 أوت 2000 والمتعلق بمبادلات التجارة الإلكترونية .
وبالإشارة إلى كل هذه النصوص فإنه من الممكن أن نستنتج أن آليات الحماية التي كرسها المشرع التونسي تتمثل أساسا في الحق في الإعلام المسبق والعدول عن الشراء.
أ الحق في الإعلام المسبق
لقد سعى المشرع التونسي إلى تدعيم شفافية المبادلات التجارية من خلال تكريس الحق في الإعلام المسبق . إن هذا الحق وقع تكريسه صلب القانوين عدد 39 وعدد 40 لسنة 1998 المؤرخين في 02 جوان 1998 وتتعلق هذه الأحكام بالبيع عن بعد وبالإشهار التجاري. كما ركز المشرع على واجب الإعلام المسبق في إطار العقود الإلكترونية من خلال الفصل 25 من القانون عدد 83 لسنة 2000 المتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية ونص هذا الفصل على أن البائع في إطار المعاملات التجارية الإلكترونية يتحتم عليه قبل إبرام العقد توفير المعلومات التالية للمستهلك:
-هوية وعنوان وهاتف البائع أو مسدي الخدمات،
- وصفا كاملا لمختلف مراحل إنجاز المعاملة،
- طبيعة وخاصيات وسعر المنتوج،
- كلفة تسليم المنتوج ومبلغ تأمينه والأداءات المستوجبة،
- الفترة التي يكون خلالها المنتوج معروضا بالأسعار المحددة،
- شروط الضمانات التجارية والخدمة بعد البيع،
- طرق وإجراءات الدفع، وعند الاقتضاء شروط القروض المقترحة،
- طرق وآجال التسليم وتنفيذ العقد ونتائج عدم إنجاز الإلتزامات،
- إمكانية العدول عن الشراء وأجله،
- كيفية إقرار الطلبية،
- طرق إرجاع المنتوج أو الإبدال وإرجاع المبلغ،
- كلفة استعمال تقنيات الاتصالات حين يتم احتسابها على أساس مختلف عن التعريفات الجاري بها العمل،
- شروط فسخ العقد إذا كان لمدة غير محددة أو تفوق السنة،
- المدة الدنيا للعقد، في ما يخص العقود المتعلقة بتزويد المستهلك بمنتوج أو خدمة خلال مدة طويلة أو بصفة دورية،
بالإضافة إلى هذه معلومات التي أجبر المشرع البائع على تنصيصها صلب موقعه التجاري على الشبكة فلقد أضاف ضرورة توفير هذه المعلومات إلكترونيا ووضعها على ذمة المستهلك للاطلاع عليها في جميع مراحل المعاملة .
فالغاية من وضع كل هذه المعلومات لفائدة المستهلك هي طريقة لحماية إرادة هذا الأخير إذ يمنع المشرع بهذه الطريقة البائعين من إخفاء جميع هذه المعلومات المتعلقة بالهوية وغيرها من خلال تقنيات معلوماتية يحسنون استعمالها.
وبالإضافة إلى واجب الإعلام فلقد حمل المشرع البائع مسؤولية إثبات حصول الإعلام المسبق وهو ما نص عليه الفصل 36 من القانون عدد 83 لسنة 2000 المتعلق بمبادلات التجارة الإلكترونية بالتالي فأن عبء الإثبات يتحمله البائع دون إمكانية التعاقد على ما يخالف ذلك كما يتعين عليه أن يوفر للمستهلك وثيقة كتابية أو إلكترونية تتضمن كافة المعطيات المتعلقة بعملية البيع في صورة إبرام العقد. والهدف من الفصل 29 من هذا القانون هو تمكين المستهلك من الحصول على الحجج الكتابية اللازمة التي تمكنه من إثبات هذه العلاقة التعاقدية في حالة نزاع.
وقد يمكن التفريق في عقود التجارة الإلكترونية بين البائع المحترف الذي يجعل من التجارة مهنته غير المحترف كما هو الشأن غالبا على شبكة الإنترنات بخصوص مواقع قد تفاقم عددها في السنوات الأخيرة ويجعلنا هذا التفريق يجعلنا نتساءل عن مدى تطبيق هذه الواجبات على غير المحترف وبالرجوع إلى قانون المبادلات والتجارة الإلكترونية فإن المشرع لم يميز بين التاجر المحترف وغيره بالتالي فإذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها وهو المبدأ الذي ينص عليه الفصل 533 من مجلة الإلتزامات والعقود .
وفي حالة الإخلال بهذا الواجب فقد يعرض البائع نفسه إلى تتبعات جزائية نص عليها الفصل 49 من القانون المؤرخ في 09 أوت2000 المتعلق بالمبادلات التجارية الإلكترونية و بالإضافة إلى ذلك يقر الفصل 50 من نفس القانون على أنه يعاقب كل من استغل ضعف أو جهل شخص في إطار عملية البيع الإلكتروني بدفعه على الالتزام حاضرا أو آجلا بأي شكل من الأشكال بخطية تتراوح بين 1000 و 20000 دينار وذلك إذا ثبتت من ظروف الواقعة أن هذا الشخص غير قادر على التمييز أو كشف الحيل أو الخدع المعتمدة بالالتزام أو إذا ثبت أنه كان تحت الضغط مع مراعاة أحكام المجلة الجنائية .
فبالرغم من إحاطة المستهلك بحماية تدعم شفافية المبادلات فإن المشرع لم يكتف بذلك بل سعى أيضا إلى توفير حق العدول عن الشراء لفائدة المستهلك على أن يكون هذا العدول مقيدا.
ب حق العدول عن الشراء
بإقرار حق المستهلك في الإعلام المسبق وتحميل البائع واجب توفير جملة من البيانات وإثبات توفرها فلقد أحاط المستهلك بجملة من الآليات تهدف إلى حمايته حماية خاصة في مجال العقود الإلكترونية لكن لم يكتف المشرع بذلك أقر حق العدول عن الشراء ونظم ممارسة هذا حق بالفصول التالية 30 و32 و 33 من قانون المبادلات و التجارة الإلكترونية. فإن حق العدول عن الشراء حسب عبارات هذه الفصول التي وقع ذكرها هو ليس حقا مطلقا إذ يمكن للأطراف المتعاقدة الاتفاق على ما يخالفه. ففي صورة اتفاق المتعاقدين على استبعاد ممارسة حق العدول عن الشراء فإنه لا يمكن للمستهلك التمسك بذلك.
ولقد قيد المشرع ممارسة حق العدول صلب الفصل 30 من نفس القانون بأجل قدره عشرة أيام عمل يحتسب بداية من تاريخ التسلم من قبل المستهلك هذا في شأن البضائع أما بالنسبة إلى لخدمات فتقيد ممارسة حق العدول فيها بداية من تاريخ إبرام العقد. يحمل البائع واجب إرجاع المبلغ المدفوع إلى المستهلك في أجل عشرة أيام من تاريخ إرجاع البضاعة أو العدول عن الخدمة. كما يحمله المصاريف الناجمة عن إرجاع البضاعة وهو ما يعيد الطرفين إلى الحالة التى كانا عليها قبل التعاقد. وبالرغم من أن الهدف من إقرار حق العدول هو حماية المستهلك من مخاطر هذه المبادلات التجارية الإلكترونية فإن المشرع وضع حدودا لممارسة هذا الحق وذلك بمقتضى أحكام الفصل 32 الذي وقع ذكره أعلاه ولا يمكن للمستهلك العدول عن الشراء في الحالات التالية:
- عندما يطلب المستهلك توفير الخدمة قبل انتهاء أجل العدول عن الشراء ويوفر البائع ذلك،
- إذا تم تزويد المستهلك بمنتوجات حسب خاصيات شخصية أو تزويده بمنتوجات لا يمكن إعادة إرسالها أو تكون قابلة للتلف أو الفساد لانتهاء مدة صلوحيتها،
- عند قيام المستهلك بنزع الأختام عن التسجيلات السمعية أو البصرية أو البرمجيات والمعطيات الإعلامية المسلمة أو نقلها آليا،
-شراء الصحف والمجلات.
بالنسبة إلى الحالة الأولى فقد منع فيها المشرع ممارسة حق العدول إذا ما طلب المستهلك توفير الخدمة قبل انتهاء الأجل المخصص للعدول فهنا لا يمكنه التمسك بحق العدول . أما الحالة الثاني فهي تهم المستهلك الذي يشترط على البائع أن يوفر له منتوجا يتميز ببعض الخاصيات، ولقد أقر المشرع بالنسبة إلى هذا الصنف من السلع أنه لا يمكن استعمال حق العدول فيها نظرا للصعوبة التي قد يجدها البائع في تسويقها وللخسائر التي يمكن أن يتحملها بسبب تلف هذه المنتوجات أما الحالة الأخيرة فهي تهتم باستهلاك المجلات فأن استعمالها ثم إبدالها وإرجاعها غير ممكن بما أن استهلاك المبيع يعتبر تنفيذا للعقد.
تعد عقود التجارة الإلكترونية عقودا متميزة من حيث تكوينها من حيث الشروط الشكلية التي تستوجبها

الفصل الثاني الشروط الشكلية في إبرام عقود التجارة الإلكترونية

وضع المشرع التونسي شروط شكلية تهم الشكل الظاهر للعقود وهدفها تيسير عملية إثبات تبادل الإرادة ويتمثل ذلك في العالم المادي حسب عبارة الفصل 453 من مجلة الالتزامات والعقود في عملية الإمضاء أسفل الكتب وأمام تطور المبادلات والانتقال من عالم المادة إلى العالم الافتراضي فقد كان من الضروري على المشرع تعديل بعض الفصول لتتناسب مع وسائل الاتصال الحديثة و في هذا الإطار وقع تنقيح بعض فصول في مجلة الإلتزامات والعقود بموجب قانون عدد 57 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جوان 2000 والذي أقر بأنه في إطار العقود اللامادية أي عقود التجارة الإلكترونية مثلا فإنه يمكن الإعتراف بالوثيقة الإلكترونية الممضاة إلكترونيا على أنها وثيقة تمكن صاحبها من إثبات قيام علاقة تعاقدية بين طرفين أو أكثر وبالتالي فمن خلال تنقيح هذه الفصول فلقد أكسى المشرع الوثيقة الإلكترونية قوتها الثبوتية.
يمكن تعريف هذه الوثيقة بأنها كتابية تشمل جميع الحوامل مهما كان نوعها باستثناء الحوامل الورقية و قد مهد المشرع لهذا الاتجاه صلب الفصل 294 من المجلة التجارية الذي وقع تنقيحه بقانون عدد 61 لسنة 2000 مؤرخ في 20 جوان 2000 إذ نص من خلاله على أنه إذا عرضت الكمبيالة على حجرة مقاصة أو بواسطة نظام إلكتروني للتبادل المعلوماتي تقع بموجبه الاستعاضة عن العرض المادي للكمبيالة فإن ذلك يعد بمثابة عرضها للدفع. فقد أكد فقه القضاء أن الوثيقة لإلكترونية متكونة من مجموعة أحرف و أرقام و إشارات رقمية متبادلة عبر وسائل الاتصال وقد نتج عن ذلك أن المشرع التونسي قصد بالوثيقة الإلكترونية كل بطاقة تتضمن معلومات و بيانات تخص المعاملات المدنية أو التجارية و التى تساعد على سير و معالجة البرمجيات والبيانات المعلوماتية عبر وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنات والحاسوب أو ما شابهها كالموزع الآلي للبنك.
المبحث الأول: الوثيقة الإلكترونية
كما أقر المشرع ضمنيا بأنه لا فرق بين الكتب الورقي و الكتب الإلكتروني طالما أن كلا منهما يعد وعاءا لمضمون الإلتزام فنظرا لخصوصية الوثيقة الإلكترونية فقد أحاطها المشرع بجملة من الآليات الفنية والقانونية لضمان مصداقية هذه الوثائق حتى تكون الإرادة المعبر عنها غير قابلة للتغيير. لضمان سلامة الوثيقة الإلكترونية يجب إيلاء إهتمام خاص لحفظها بما أنها شريعة الطرفين و لا تكون هذه الإرادة صحيحة إلا عن طريق الإمضاء الإلكتروني الذي يعتبر شكلية أساسية تكتسي بها الوثيقة الإلكترونية القوة الثبوتية .
الفقرة الأولى: شروط صحة الوثيقة الإلكترونية
نص الفصل الرابع من قانون 9 أوت 2000 على ضرورة حفظ الوثيقة الإلكترونية في شكلها النهائي بصفة تضمن سلامة محتواها لكن المشرع لم يعرف صلب مجلة الالتزامات والعقود ولا صلب القانون المتعلق بمبادلات التجارة الإلكترونية مصطلح الحفظ، فالمقصود بهذه العبارة هو توثيق مجموعة من المعلومات اللامادية داخل برمجيات حتى يكون الرجوع إليها في وقت الحاجة أمرا ممكنا فاستعمال عبارة الحفظ لا يتماشى وطبيعة الوثيقة بما أن الحفظ يخص الحقوق أما التوثيق فيتعلق بالسندات.
يتمثل الحفظ في استعمال وسائل فنية هدفها ضمان السرية والشرعية وبالنظر إلى قانون عدد 83 لسنة 2000 وبالخصوص فصله الرابع يمكن الاستنتاج من أن المشرع قصد بعبارة حفظ الوثيقة حماية سلامة محتوى الوثيقة من التحريف والتدليس ومن التلف والزوال .
وفي نفس الاتجاه فقد اقتضى المشرع الفرنسي ضمن الفصل 1316 في فقرته الأولى من المجلة المدنية على أن الوثيقة الإلكترونية لها نفس قيمة الوثيقة الورقية على شرط حفظها بشكل يضمن سلامتها و يضمن عدم تغيير محتواها. وعلى غرار المشرع الفرنسي فإن المشرع التونسي واع بأن تغيير أو إفساد المعلومات المنصوصة بالوثيقة الإلكترونية في شكلها النهائي عن طريق أنظمة معلوماتية يفقدها قيمتها الثبوتية لذلك يشترط القانون حفظ هذه الوثائق من وقت نشأتها المرة الأولى في شكلها النهائي دون التغيير باستثناء أي تظهير قد يطرأ أثناء المجرى العادي للإبلاغ والتخزين والعرض وهو ما نص عليه الفصل الثاني في تطبيق شروط القانون على رسائل البيانات من القانون النموذجي المتعلق بالتجارة الإلكترونية والمؤرخ في 16 ديسمبر1996. إلى جانب حفظ المعلومات المتضمنة داخل الوثيقة الإلكترونية من كل أوجه الإفساد أو التدليس فيجب كذلك حفظها من الزوال لضمان الإطلاع عليها في وقت الحاجة بالفعل فأنه في صورة حصول نزاع فقد يمكن للقاضي الإطلاع على هذه الوثائق كما يمكن عند الحاجة الرجوع إلى ما تتضمنه.
و لقد أقر المشرع التونسي صلب الفصل 453 من مجلة الإلتزمات و العقود أن الوثيقة الإلكترونية لا أن تعتبر وثيقة صحيحة يمكن إعتمادها إلا إذا توفرت إمكانية قراءتها والرجوع إليها عند الحاجة ويجب أن يكون هذا الإطلاع مضمونا طوال مدة صلوحية محتوى الوثيقة ولضمان توفر كل هذه الشروط يجب اعتماد آليات تحقق هذا الحفظ المادي.
الفقرة الثانية: آليات ضمان صحة الوثيقة الإلكترونية
لم يحدد المشرع طريقة حفظ الوثيقة الإلكترونية بل أشار في الفصل 453 مكرر من مجلة الإلتزمات و العقود على أن تكون الوثيقة محفوظة على حامل إلكتروني.
كما أكد في الفصل الرابع من القانون المتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية على أنه "يعتمد قانونا حفظ الوثيقة الإلكترونية كما يعتمد حفظ الوثيقة الكتابية" ، ومن خلال إستعماله لعبارة الحامل الإلكتروني التي وردت فيما سبق فلقد ترك من خلالها إمكانية حفظ هذه الوثائق ماديا مفتوحا إلى جميع الوسائل المستقبلية بما أنها في تطور مستمر ولم ينص على طريقة خاصة لحفظ هذه الوثائق لكنه يمكن عرض الطرق من بينها التسجيلات الإلكترونية التى تواجه مشكلة أساسية تتمثل في الاضمحلال المغنطيسي للتسجيلات وبها يتم ضياع ما عليها من معلومات. بالإضافة إلى هذه الآلية التي وقع تجاوزها نذكر الميكروفيش. لم يحدد المشرع التونسي علنا مدة خزن هذه الوثائق الإلكترونية بل أكد من خلال عبارات الفصل 453 مكرر على أنه يستوجب الحفاظ على الوثائق الإلكترونية إلى انتهاء مدة صلاحيتها. إلا أن الإطلاع عليها يعتبر أساسيا حتى بعد نفاذ مدة صلاحيتها ومثال ذلك حالة نشأة نزاع قبل نهاية مدة صلاحية الوثيقة الإلكترونية وتزامنه بعد نهاية هذه المدة. أما بالنسبة إلى العقود التقليدية الورقية فيحتفظ بها مدة غير محددة خلافا لما هو معمول به بالنسبة إلى الوثيقة الإلكترونية.
ولقد تعرض المشرع التونسي صلب الأمر عدد 1667 لسنة 2001 المؤرخ فيه 17 جويلية 2001 والذى يخص مزودي خدمات المصادقة الإلكترونية على أن الحفظ المادي للوثيقة الإلكترونية يكون على تسجيلات تحفظ على حامل إلكتروني لمدة لا تقل عن 20 سنة من تاريخ معالجتها ولتكون هذه التسجيلات محفوظة فقد اقتضى الفصل 18 من نفس كراس الشروط بأنه يلتزم مزود خدمات المصادقة الإلكترونية بتجهيز مقره بشبكة كهربائية ونظام تكييف يؤمن استمرارية العمل وحاويات الخزن ضد الحرارة والرطوبة والتأثيرات المغناطيسية وكل شكل من أشكال التشويش. بالرغم من اتخاذ كل هذه التدابير يمكن أن يصيب الحامل الذي يتضمن كل التسجيلات عدد لا يحصى من الفيروسات التي قد تعطبه فيستحيل بذلك قراءة المعلومات التي يتضمنها بالإضافة إلى هذه الحماية المادية التي نص عليها المشرع صلب القانون عدد 89 لسنة 1999 المؤرخ في 02 أوت 1999 الفصلين 199 مكرر و 199 مثلث بهدف تجريم هذه الأفعال التي تضر بالمعلومات وتفسد إمكانية الرجوع إليها.
لا يمكن اعتماد الوثيقة الإلكترونية عند تنفيذ العقد أو في حالة نشأة نزاع بين الطرفين إلا إذا كان محتواها تم حفظه من التحريف بالإضافة إلى ضرورة وجود إمضاء إلكتروني للتعبير عن رضاء الطرفين.

مبحث ثاني الإمضاء الإلكتروني :

نص الفصل 453 مكرر من مجلة الإلتزامات والعقود على أن الوثيقة الإلكترونية كتب غير رسمي إذا كانت محفوظة في شكلها النهائي بطريقة موثوق بها و مدعمة بإمضاء إلكتروني. فما هو المقصود بمصطلح الإمضاء الإلكتروني؟
لم يعرف المشرع التونسي مصطلح الإمضاء عموما صلب مجلة الإلتزامات العقود قبل تنقيح 13 جوان 2000 رغم أهمية الدور الذي يضطلع به الإمضاء في منظومة الإثبات وكدليل على هذه الأهمية فلقد تولى الاتحاد الأوروبي حث جميع الدول المكونة للاتحاد من الاعتراف بالإمضاء الإلكتروني وإسناد تعريف لهذه الظاهرة الحديثة. و لقد استجاب المشرع الفرنسي إلى نداء الاتحاد الأوروبي لما قام بتعريف اللإمضاء الإلكتروني صلب الفصل2-2 132 من المجلة المدنية الفرنسية ولقد بنى تعريفه على وظائفه المتمثلة في تحديد الشخص صاحب الإمضاء والتدليل على رضائه بمضمون الكاتب وإن هذا التعريف هو تعريف واسع يتضمن في نفس الوقت الإمضاء اليدوي و الإمضاء الإلكتروني. وأضاف المشرع التونسي فقرة ثانية للفصل 453 من مجلة الالتزامات و العقود بمقتضى تنقيح 13 جوان 2000 و الذي ضمنه تعريفا للإمضاء اليدوي والإمضاء الإلكتروني: "يتمثل الإمضاء في وضع اسم أو علامة خاصة بيد العاقد نفسه مدمجة بالكتب المرسوم بها أو إذا كان إلكتروني في استعمال منوال تعريف موثوق به يضمن صلة الإمضاء المذكور بالوثيقة الإلكترونية المرتبطة به فالتمعن في إحكام الفصل 453 وفصل 453 مكرر يدفعنا إلى القيام ببعض الملاحظات في شأن إدماج الإمضاء الإلكتروني بالتشريع التونسي ولقد جاء بالفصل 453 من المجلة التي سبق ذكرها بأنه يجب أن يكون الإمضاء بيد العاقد نفسه فمثل هذه العبارات التي تضمنها الفصل المذكور لا تتطابق مع الإمضاء الإلكتروني بل تجعل من الإمضاء اليدوي الإمضاء الوحيد المقبول قانونا بالرغم من أن نية المشرع من خلال تعريف الإمضاء كانت تهدف إلى توسيع مفهومه حتى يستوعب جميع أشكال الإمضاءات الجديدة التي قد ينتجها التطور التكنولوجي . بالرجوع إلى القانون الفرنسي فلقد تجاوز المشرع هذا الإشكال من خلال تعويض عبارة de sa main بعبارة par lui même.
نص الفصل الخامس من القانون عدد 83 لسنة 2000 المتعلق بالمبادلات و التجارة الإلكترونية على أنه يمكن لكل من يرغب في إمضاء وثيقة إلكترونية إحداث إمضاء إلكتروني في منظومة موثوق بها يتم ضبط مواصفاتها التقنية بقرار من وزير المواصلات ولقد عرف الفصل الثاني من نفس القانون منظومة إحداث الإمضاء على أنها مجموعة من عناصر التشفير الشخصية أو مجموعة من المعدات المهيأة خصيصا لإحداث إمضاء إلكتروني .
و حتى يعتمد الإمضاء الإلكتروني في تصديق التصرف القانوني يتحتم توفر شروط تمكن من الاعتراف القانونيا به من جانب وإلى ضرورة التحقق من مصداقيته .
الفقرة الأولى: شروط الاعتراف القانوني بالإمضاء الإلكتروني
يؤدي الإمضاء الإلكتروني وظيفتين أساسيتين أولهما التعريف بصاحب الكتب وثانيهما استثبات هوية الشخص الممضي إضافة إلى ذلك و نظرا إلى خصوصية هذا الإمضاء الإلكتروني المتمثل أساسا في سرعة استعماله، مرونته وسريته في التعامل أحاطه المشرع بشروط ضرورية يستوجبها القانون للاعتراف به وحتى يرتل الآثار القانونية التي يرتبها الإمضاء اليدوي أولهما استعمال منوال تعريف موثوق به وثانيهما أن يضمن ذلك المنوال الصلة بين الإمضاء و الوثيقة الإلكترونية المرتبطة به وهو ما نص عليه الفصل 453 "جديد" من مجلة الالتزامات والعقود .
1 استعمال منوال تعريف موثوق به
لم يتمكن المشرع التونسي من تحديد منوال التعريف الذي يجب استعماله حتى يكون الإمضاء الإلكتروني مقبولا قانونا بل اكتفى باشتراط أن يكون موثوقا به ولعل غياب هذا التحديد طريقة تمكن من استيعاب جميع الطرق المتعددة نظرا للتطور التكنولوجي ونظرا لرغبته في ضمان نظام قانوني ناجع للوثيقة الإلكترونية تاركا أمر تحديد المواصفات إلى السلطة الترتيبية التي يمكنها ملاحقة التقدم التكنولوجي لتطبيقات الإمضاء عن طريق قرارات يتم إصدارها كلما ظهرت الحاجة إلى ذلك. وفي هذا الإطار فقد أصدر الوزير المكلف بالمواصلات قرارا مؤرخا في19 جويلية 2001 والذي يتعلق بضبط المواصفات التقنية لمنظومة إحداث الإمضاء الإلكتروني ولقد تبنى المشرع التونسي نفس التوجه الذي تبناه نظيره الفرنسي والذي أكد أن نجاعة المنظومة المستعملة تحدد بمقتضى أمر صادر عن مجلس الدولة عدده 272 لسنة 2001 المؤرخ في 30 مارس 2001 وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن المنظومة المعتمدة صلب القانون الفرنسي هي منظومة التشفير اللاتماثلي كما استعمل المشرع التونسي طريقة الإمضاء اللاتناظرية وخدمات المصادقة الإلكترونية وهو ما يعرف اليوم بأشهر البروتوكولات العالمية.
وعرف عملية التشفير من خلال الفصل الثاني من قانون 09 أوت 2000 المتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية بأنه استعمال رموز أو إشارات غير متداولة قد تصبح بمقتضاه المعلومات المرغوب تمريرها أو إرسالها غير قابلة للفهم من قبل الغير. وفي هذا الصدد يمكن تقسيم آلية التشفير إلى التشفير التماثلي و الللاتماثلي: فالتشفير التماثلي يقوم على إعتماد مفتاح وحيد يبقى سريا بين الطرفين وهذا مفتاح يعتمد في تشفير النص و فك التشفير عنه أما بالنسبة إلى التشفير اللاتماثلي فعوضا عن استخدام مفتاح واحد يتم استخدام مفتاحين إثنين مفتاح للتشفير ومفتاح له علاقة بالمفتاح الأول لكنه مختلف عنه لفك التشفير ويستحيل من استخراج المفتاح الخاص إنطلاقا من المفتاح العام فالمفتاح الخاص هو الذي يستخدمه الموقع أما المفتاح العام فهو الذي يستخدمه طرف معول عليه للتحقق من صحة التوقيع الرقمي.
فطريقة التشفير اللاتماثلي هي التي تعتبر الأكثر إعتمادا في واقع عقود التجارة الإلكترونية لكن يمكن للأطراف أن يتفقوا على اعتماد طرق أخرى للتشفير لأن نظرية الإثبات بصفة عامة لا تهم النظام العام وهو ما أكده الفصل 425 من مجلة الإلتزامات والعقود حيث أقر بأنه إذا ما لم يذكر القانون بصورة مخصوصة في إثبات عقد وقع اتفاق صريح بين عاقديه بأن لا يعتبروه باتا إلا بعد تحريره بصورة معلومة فالعقد لا يصح إلا إذا كان على الصورة المتفق عليها. يخضع التشفير عبر الشبكات العمومية لللإتصالات إلى التراتيب الجاري بها العمل في ميدان الخدمات ذات القيمة المضافة. كما أشار الفصل 11 من الأمر عدد 501 لسنة 1997 المؤرخ في 14 مارس 1997 على أن مزود الخدمات مجبور على الحصول من الوزير المكلف بالاتصالات لبث المعلومات المشفرة ويخول هذا الأمر لكل مزود أو مستعمل لخدمة ذات قيمة مضافة للاتصالات إرسال أو استقبال المعلومات مشفرة بشرط الحصول مسبقا على رخصة لوضع واستغلال الشفرة كما يخضع التشفير في القانون إلى واجب إطلاع وزارة المواصلات على مفاتيح التشفير في جميع الحالات.
2 استعمال منوال تعريف يضمن صلة الإمضاء بالوثيقة الإلكترونية المرتبطة به إن خصوصية عقود التجارة الإلكترونية وخصوصية الإمضاء الإلكتروني تجعل من الوثيقة الافتراضية وثيقة مختلفة تماما الاختلاف عن الكتب والإمضاء اليدوي . إن الكتب يحتوي على الإمضاء اليدوي فهو يجمع بين الوثيقة والإمضاء. ففي هذه الحالة يكون الإمضاء مدمجا بالكتب نفسه في حين أن التعامل الإلكتروني يفصل بين الإمضاء الإلكتروني والوثيقة الإلكترونية وبالتالي يستحيل تحقيق هذا الاندماج المادي كما هو الحال في الوثيقة المكتوبة . لهذه الغاية فلقد اشترط المشرع في الإمضاء الإلكتروني استعمال منوال التعريف يضمنه أسئلة بين الإمضاء والوثيقة الإلكترونية المرتبطة به ولضمان هذه الصلة بصفة واقعية فمن الضروري تدخل طرف ثالث إضافة إلى طرفي التعاقد وقد يسمى هذا الطرف الثالث بالغير المصادق أو مزود خدمات المصادقة الإلكترونية ويعرف مزود خدمات المصادقة الإلكترونية بأنه السلطة بين المتعاملين في المجال الإلكتروني ويتعهد بإصدار وحفظ الشهادات التي تثبت وقوع عملية التبادل الإلكتروني للمعطيات وتحديد مراقبة هوية الباعث والتأكد من صدور الإمضاء عنه.
الفقرة الثانية: مصداقية الإمضاء الإلكتروني
وقع التفكير في إيجاد طريقة تضمن تحقيق الأمان و الثقة بين المتعاملين وتضمن التحقق من شخصية هوية وأهلية الممضي ففي هذا السياق تم اللجوء إلى طرف ثالث غير المتعاقدين يسلم شهادة المصادقة الإلكترونية. لقد تم تعريف المصادقة الإلكترونية على أنها طريقة إلكترونية تسمح بضمان الصلة بين المنظومة العمومية للتشفير و صاحبها بصورة تكفل لكل طرف من أن الإمضاء الموجود بالمراسلة الإلكترونية يتعلق بشخص معين دون غيره وتتمثل في وجود طرف ثالث محايد موثوق به يعمل بطرقه الخاصة على التأكد من صحة صدور الإرادة التعاقدية ممن تنسب إليه. كما يقوم هذا الطرف كذلك على التأكد من جدية هذه الإرادة وبعدها كل البعد عن الغش والإحتيال وقد تعددت المحاولات و الاجتهادات في تعريف الغير المصادق واعتبره البعض ذلك الهيكل الذي يعنى بضمان صلة شكلية بين الشخص ومفتاحه العام واعتبر البعض الآخر أن شهادة المصادقة الإلكترونية هي تلك الوثيقة الإلكترونية التي تسمح بضمان الصلة بين صاحب المفتاح الخاص أو السري و المفتاح العام المضمن بالشهادة.
والسؤال هل وجود الغير شرطا ضروريا يستوجبه القانون لضمان صحة الإمضاء الإلكتروني؟
إن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات يتطلب المقاربة بين أحكام الفقرة الثانية للفصل 453 من مجلة الالتزامات و العقود والمنقح بالقانون عدد 57 لسنة 2000 إضافة إلى أحكام القانون عدد 83 لسنة 2000 المتعلق بمبادلات التجارة الإلكترونية. تعددت آراء شراح القانون في هذا المجال إذ اعتبر البعض أن تدخل الغير المصادق لا يعد شرطا لصحة الإمضاء الإلكتروني و أقر البعض الآخر على أن المشرع أوجب توفر شرط الموثوقية للاعتداد بالإمضاء الإلكتروني ولعل أحسن دليل لذلك أنه جعل من تلك الموثوقية أحد عناصر تعريف الإمضاء الإلكتروني الوارد به الفصل3 45 "جديد" من مجلة الالتزامات و العقود.
ولا وجود في القانون التونسي لوسيلة أخرى غير الطريقة التي نص عليها القانون عدد 83 لسنة 2000 والمتعلق بالتجارة الإلكترونية والذي نميل معه إاى القول بأن تدخل الغير المصادق يعد شرطا لصحة الإمضاء الإلكتروني في القانون التونسي على الأقل في الوقت الراهن طالما لم يعتمد المشرع وسائل أخرى تسمح بالتأكد من موثوقية منوال التعريف المعتمد في الإمضاء ولقد ساهم التقدم الذي شهدته البرامج المعلوماتية في خلق طرق جديدة تضمن درجة عالية من الموثوقية دون تدخل الغير المصادق ومن بين هذه البرامج المعتمدة نذكر PGP الذي يسمح بإدراج و نشر مفتاح خاص لكل مستعمل كما يمكن من تجميع كل هذه المفاتيح العمومية ضمن صحيفة ونظرا لنشأة هذه البرامج المعلوماتية جاء ضمن التوصية الأوروبية الصادرة بتاريخ 30 نوفمبر 1999 أن الإمضاء لا يفقد حجيته بمجرد خلوه من شهادة المصادقة بل يمكن أن يكون الإمضاء صحيحا دون تدخل الغير المصادق . وبهذه المعطيات الجديدة أصبحت المصادقة عن طريق طرف ثالث تستعمل في تدعيم الموثوقية ولمزيد الاستثبات .
فبالرغم من ظهور هذه التقنيات المعلوماتية الحديثة تبقى خدمات المصادقة الإلكترونية هي الحل الأكثر رواجا ولقد أحاط المشرع هذه المؤسسات بشروط جاء بها الفصل 11 من قانون المبادلات والتجارة الإلكترونية ومن بين هذه الشروط مايهم شخص الطالب و نذكر تحديدا شرط الجنسية أي أن يكون الشخص تونسي الجنسية منذ 5 أعوام على الأقل قبل تقديم المطلب، ويجب أن يكون مقيما بالبلاد التونسية ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية كما يتحتم عليه أن يكون نقي السوابق العدلية ومتحصلا على الأقل على شهادة الأستاذية أو ما يعادلها وأخيرا يجب أن يكون غير متعاط لأي نشاط مهني آخر. لكن توفر كل هذه الشروط لا تسمح للشخص الطالب أن يصبح مزودا لخدمات المصادقة الإلكترونية بل يتحتم عليه الحصول على ترخيص مسبق من الوكالة الوطنية للمصادقة الإلكترونية التي تم إحداثها وتنظيمها من خلال القانون المتعلق بالمبادلات و التجارة الإلكترونية. أما بالنسبة إلى تعاطي النشاط فلقد ضبط المشرع صلب الفصل 12 من كراس شروط على شخص الطالب أن يصادق عليه . نظرا لأهمية الدور الذي يلعبه مقدم خدمات المصادقة فإنه بحاجة إلى هيكل قانوني يحدد القواعد والنظم الملائمة في ما يخص المعايير التي ينبغي أن يستوفيها حتى .فيما يخص عملية إيقاف النشاط. ولقد أدرج المشرع جملة من الإجراءات يتحتم على مؤسسة خدمات المصادقة القيام بها كإعلام الوكالة الوطنية للمصادقة الإلكترونية قبل تاريخ الإيقاف بثلاثة أشهر على الأقل كما تم إدراج صور الإيقاف اللاإرادية كحالة الوفاة أو الإفلاس و قد حمل المشرع الورثة أو الوكلاء واجب احترام إجراء الإعلام السالف في أجل أقصاه 3 أشهر يمكن احتسابه من تاريخ تحقق أهداف الصور المشار إليها. إن مخالفة هذه الأحكام لا يترتب عنها جزاء آخر غير ما نص عليه قانون المبادلات التجارية والمتمثل في سحب الترخيص من مزود خدمات المصادقة الإلكترونية وإيقاف نشاطه من قبل الوكالة الوطنية للمصادقة الإلكترونية بعد سماع المزود المعني بالأمر وهوما يقتضيه الفصل 43 وما بعده من القانون عدد 83 لسنة 2000.
وتتمثل مهام مزود خدمات المصادقة الإلكترونية في إصدار الشهادات، تسليمها، حفضها ثم عند الاقتضاء تعليق العمل بها أو إلغاؤها تماما وفقا لكراس الشروط وهو الأمر المصادق عليه بمقتضى الأمر عدد 1667 لسنة 2001 المؤرخ في 17 جويلية 2001. كما اشترط المشرع على أن تتضمن شهادة المصادقة لمقتضيات السلامة و الوثوق بها وجملة من البيانات التي تعرض إليها ضمن الفصل 17 من القانون عدد 83 لسنة 2000 و المتمثل في خصوصية هوية صاحب الشهادة وهوية الشخص وإصدارها وإمضائه الإلكتروني.
فبإمكان مزود خدمات المصادقة جمع معلومات ذات صبغة شخصية وهو أمر يثير إشكال حماية المعطيات الشخصية للمستهلك وقد شغل هذا الإشكال بال المشرع إذ تعرض له في القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية فبعد إتمام شهادة المصادقة يتولى المزود تسليمها لصاحبها حتى يقوم بإدراجها في مراسلته للتعريف بنفسه لكن في الحالة التي يكون فيها طالب الشهادة شخصا معنويا يقوم المزود بالتحرى في هوية الشخص الذي يتسلمها والتحقق من صلته بالشخص المعنوي طالبها.
فلا يقتصر دور مزود خدمات المصادقة على إحداث وتسليم الشهادة فحسب بل يتحتم عليه كذلك حفظها وهو ما أوجبه الفصل 14 من القانون عدد 83 لسنة 2000 و يتم حفظ هذه الشهادات ضمن سجل يقوم فيه المزود بحماية شهادات المصادقة من كل تغيير غير مرخص فيه. رغم ضرورة حمايتها فلقد أجبر المشرع المزود في بعض الأحيان بحكم القانون إلى تعليق العمل بالشهادة أو أحيانا إلى إلغاء العمل تماما بها.
وفي خصوص تعليق العمل بالشهادة، فتتحقق هذه الحالة على معنى الفصل19 في صورة تكون فيها الشهادة قد وقع تسليمها بناءا على معلومات مغلوطة أو مزيفة أو غير مطابقة للواقع أما بالنسبة لحالة الإلغاء فهو يتم عند إعلام المزود بوفاة الشخص الطبيعي أو انحلال الشخص المعنوي صاحب الشهادة.
فإضافة إلى كل هذه المهام التي أسندها المشرع إلى مزود الخدمات فأنه يتولى توثيق تاريخ الإمضاء المعبر عنه باللغة الفرنسية بمصطلح HORODATAGE وهو ما جاء به الفصل 18 من القانون عدد 83 لسنة 2000.
إن ضبط التوقيت صلب الكتب الإلكتروني وتحديد تاريخ ثابت له يكتسي أهمية قصوى تتعلق بتحديد منطلق المدة التي يمكن خلالها معارضة الغير بالتصرف القانوني موضوع الوثيقة وإن هذه المسألة المتعلقة بالتاريخ بالغة الأهمية وتأخذ معنى آخر في الفضاء الافتراضي نظرا للساعة الفائقة التي تتم فيها المبادلات الإلكترونية ونظرا لسهولة تغيير تاريخ المراسلة الإلكترونية وتاريخ الإمضاء. فكل المهام التي أسندها المشرع إلى مزود خدمات المصادقة تقابلها مسؤولية يتحملها المزود وقد تكون مدنية أو جزائية. فبالنسبة إلى مسؤولية مزود خدمات المصادقة الإلكترونية المدنية فهي تقوم في حالة حصول ضرر للمتعامل الذي وثق عن حسن نية في المعلومات التي تتضمنها شهادة المصادقة في تاريخ التسليم بها في هذه الصورة بالتحديد يمكن للمتضرر القيام بإلزامه بالتعويض له عما استهدف له من أضرار مادية أو أدبية أو كلاهما معا. أما الحالة ثانية التي تقوم فيها المسؤولية فهي تتحقق بمجرد ثبوت حصول ضرر لأي شخص نتيجة عدم قيام المزود بتعليق العمل بشهادة المصادقة أو إلغائها وهو ما أوجبه الفصل 19 و 20 من نفس القانون بالتالي يمكن للشخص المتضرر المطالبة بالتعويض له عن الأضرار الحاصلة.
أما بالنسبة للمسؤولية الجزائية فهي تتحقق في صورة عدم مراعاة كراس الشروط من قبل مزود خدمات المصادقة وكذلك في حالة ممارسة نشاطه دون الحصول على ترخيص وقيامه بإفشاء المعلومات التي عهدت إليه في إطار تعاطيه لنشاطه وهذه الصور وردت بالفصل 45 وما بعده من قانون عدد 83 لسنة 2000 المتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية و في صورة تحقق هذه الحالات تم إقرار عقوبات بدنية أقصاها عقوبة سجن لمدة 3 أعوام ثم أحيانا عقوبة مالية أقصاها خطية تبلغ 20 ألف دينار.
يمثل الإمضاء الإلكتروني عنصرا أساسيا لا يمكن التخلي عنه على مستوى عقود التجارة الإلكترونية وذلك لما يوفره من ضمانات في إبرام هذه العقود وفي حسن تبادل الإرادات بين الأطراف . نظرا للأهمية التي تكتسيها هذه التجارة وللمكانة التي أولتها لها الدول فلقد أصبحت وسيلة استراتيجية تستعمل لتضخيم حجم المبادلات التجارية بالداخل والخارج. ولهذه الغاية فلقد ارتكزت الاستراتيجية التونسية في مجال التجارة الإلكترونية على توفير المحيط المناسب والمتطلبات اللازمة لللإنخراط في الاقتصاد العصري. للاستجابة الى هذه المتطلبات وقع تنظيم عقود التجارة الإلكترونية من حيث ابرامها وهو ما تعرضنا إليه في الجزء الأول ثم من حيث تنفيذها (الجزء الثاني).

الجزء الثاني: خصوصيات عقود التجارة الإلكترونية على مستوى التنفيذ

بعد مرحلة الإبرام و التأكد من توفر جميع الشروط الأساسية لصحة العقد يجب تنفيذ ما اتفق عليه الطرفان وقد يكون هذا التنفيذ تلقائيا إذا ما وفى كل منهما بالالتزامات التي نشأة من العقد كما يمكن لهذا التنفيذ أن يكون تنفيذا غير اختياري يتم من خلاله جبر أحد الطرفين أو كلاهما على تنفيذ محتوى عقد التجارة الإلكترونية وهي حالة التنفيذ القضائي.

الفصل الأول: التنفيذ التلقائي لعقود التجارة الإلكترونية

إن العقد الإلكتروني كبقية العقود المدونة يقوم بين طرفين أو أكثر وبعد التأكد من شروط صحته يصبح العقد شريعة الطرفين فهو يستوجب ضرورة قيام التزامات بين المتعاقدين ويفرض على الأطراف الوفاء بالالتزامات الناشئة عن هذا العقد وتنقسم الالتزامات الناشئة عن عقود التجارة الإلكترونية إلى قسمين: التزامات يفي بها البائع ثم التزامات أخرى محمولة على المشتري .

مبحث أول: الالتزامات المحمولة على البائع :

لم ينص القانون عدد 83 لسنة 2000 المتعلق بالمبادلة والتجارة الإلكترونية على الالتزامات التى تهم البائع في عقد التجارة الإلكترونية بالتالي فقد يخضع صنف الكتب الإلكتروني إلى النظام القانوني للكتب المدون. فالفصل 591 من مجلة الإلتزامات والعقود ينص على أن البائع يلتزم بأمرين: تسليم المبيع وضمانه لكن خصوصية عقد البيع الإلكتروني تحمل البائع التزامات جديدة لها علاقة بخصوصية الفضاء الإلكتروني .

فقرة أولى: خصوصية واجب تسليم المبيع وضمانه

لم يتعرض المشرع إلى الالتزامات المحمولة على البائع صلب القانون عدد 83 لسنة 2000 وهو ما أدى بنا إلى اللجوء إلى القواعد العامة وتحديدا الفصل 591 من مجلة الالتزامات والعقود الذي يؤكد على أن البائع ملزم بأمرين وهما تسليم المبيع وضمانه .
1- تسليم المبيع:
يجدر التفريق بين نقل الملكية وواجب تسليم البائع للبضاعة فبالنسبة إلى نقل الملكية فإنه لا يمثل التزاما محمولا على البائع وإنما هو أثر لعقد البيع في الفصل 583 من مجلة الالتزامات والعقود أما بالنسبة إلى التسليم فهو واجب محمول على البائع في العقود التقليدية والعقود الإلكترونية فهذا الواجب ينشأ بمقتضى وجود عقد صحيح قانونا ويتضمن هذا الالتزام ضرورة احترام مبدأ الوفاء وتمام الأمانة كما يلتزم البائع حسب الفصل 31 من قانون مبادلات التجارة الإلكترونية بتسليم بضاعة للمستهلك مطابقة للطلب و حسب الخصوصيات التي تم الاتفاق عليها ويتمثل التسليم حسب مجلة الالتزامات والعقود في فصلها 592 في تخلي البائع عن المبيع وصدور إذن للمشتري في تسلم المبيع بالتالي فالتسليم يمكن المشتري من حوز المبيع دون مانع. حسب عبارات هذا الفصل نستشف أن المشرع يعني الحوز المادي والملموس وإن هذه الصورة لا تتماشى وخصوصية عقد التجارة الإلكترونية باعتباره عقدا عن بعد. إن هذا الاختلاف بين العقود المدونة والعقود الإلكترونية على مستوى التسليم يستوجب التوضيح والتحليل .
كما يكتسي التسليم معنى جديدا صلب عقود التجارة الإلكترونية إذ أن التبادل التجاري عبر شبكة الإنترنات مكن من تسليم البضائع والسلع عن بعد دون الاتصال المباشر بين أطراف العقد. حتى يمكننا الحديث عن التسليم عن بعد يجب على البضائع أو السلع أن تكون قابلة للإرسال عبر شبكات الإنترنات مثال ذلك اقتناء برامج أو كتب رقمية يمكن إرسالها عبر الشبكة في وقت وجيز. فالتسليم عن بعد يمثل أحد الجوانب التي سهلت تجاوز الحدود الجغرافية والقيود الإدارية في تبادل السلع وبالتالى في جعل عقود التجارة الإلكترونية عقودا تتم بين أشخاص في قرية صغيرة.
رغم خصوصية التسليم في عقود التجارة الإلكترونية لم يتعرض المشرع إلى الآجال القانونية التي ينبغي على إثرها تسليم المبيع من قبل البائع كما لم يتعرض إلى هذه المسألة تاركا إياها إلى اتفاق الطرفين خاصة إلى إطلاع المستهلك على البيانات الضرورية التي يلتزم البائع بالتنصيص عليها صلب موقعه على الشبكة. أما بالنسبة إلى التشريع الأوروبي فلقد اقتضى ضمن التوصية رقم 97 الصادرة في 20 ماي 1997 بوجوب تسليم المبيع في أجل 30 يوما بداية من اليوم الموالي لتاريخ تقديم الطلبية ويقع تطبيق هذه التوصية في صورة عدم وجود اتفاق بين الطرفين أما في صورة إخلال البائع بالتزامه في تسليم البضاعة في الآجال التي نص عليها العقد فإنه يمكن للمستهلك أن يسترجع المبلغ المدفوع والطلب من البائع بجبر الضرر الذي لحقه بسبب عدم استلام المبيع وهو ما اقتضاه الفصل 35 من قانون 9 أوت 2000 المتعلق بمبادلات التجارة الإلكترونية. إن خصوصية التجارة الإلكترونية أثرت على جميع جوانب العقد بما فيها واجب تسليم البضائع وواجب ضمانه من التغرير ومن جميع أنواع الغش عند تنفيذ العقد.
2 - واجب ضمان المبيع:
يقوم البائع بضمان المبيع من جميع العيوب التي يمكن أن تصيبه و التي قد تجعله غير صالح لللاستعمال فيما أعد له بحسب نوعه أو بمقتضى العقد أو كأن ينقص من قيمته وهو ما حدده المشرع التونسي بالفصل 647 من مجلة الإلتزامات والعقود. حتى يكون شرط ضمان المبيع من العيوب نافذا لقد أكد المشرع التونسي ضمن الفصل 652 من نفس المجلة المذكورة أعلاه على ضرورة إعلام البائع بالعيب حالا وخلال مدة زمنية لا تتجاوز 7 أيام وفي حالة سكوت المشتري عن القيام بإعلام البائعة يعتبر ذلك قبولا للمبيع أما بالنسبة إلى العيوب الأخرى التي يكتشفها المشتري بعد مرور الأجل القانوني للإعلام في صورة حصول مانع عاقه عن التقليب فإنه يجب إعلام البائع بمجرد اطلاعه على العيب وإلا يعتبر القانون سكوت المشتري عند اطلاعه على العيب رضاءا بالبضاعة. فاحتراما لخصوصية عقود التجارة الإلكترونية بما أنها عقود تتم عن بعد فلقد أشار المشرع إلى أن ضمان العيوب يبقى قائما في الحالة التي يكون فيها العيب خفيا أو ظاهرا وهو ما نص عليه القانون المتعلق بمبادلات التجارة الإلكترونية.
بالفعل يستحيل على المستهلك في بعض الحالات التعرف على خصائص البضاعة بصورة واضحة حتى إذا ما قام البائع بإدماج صورة المبيع صلب موقعه وذلك نظرا لوجود عديد التقنيات الحديثة التي يمكن استعملها في تغيير حجم أو نوع المبيع.
فمن خلال مقارنة ضمان العيوب عند تنفيذ العقود المدونة بعقود التجارة الإلكترونية يتضح أن المشرع قام بحماية المستهلك داخل هذا الفضاء الفرضي بإعتباره الطرف الضعيف ودعم حمايته من خلال تكريس حق طلب التعويض دون تقيده بشروط كما هو الحال بالنسبة إلى العقود المدونة من خلال الفصل 655 من مجلة الإلتزامات والعقود.
الفقرة الثانية: خصوصية الالتزامات الجديدة المحمولة على البائع إن طبيعة عقود التجارة الإلكترونية ساعدت على ظهور التزامات يتحملها البائع و هي إلتزامات خاصة بالتبادل في هذا الفضاء اللامادي وتتمثل بالأساس في خصوصيات متعلقة بالإشهار، بإنشاء متجر افتراضي وأخيرا بتقديم خدمات الخط الساخن.
ويكتسي الإشهار أهمية قصوى بالنسبة إلى كل بائع يريد ترويج بضائعه على الشبكة فهو وسيلة فعالة يرغب بها المبحرين على زيارة المواقع التجارية واستهلاك ما يعرض فيها من سلع وبضائع ولا يمكن اليوم إلى أي تاجر موجود على الشبكة أن يغفل عن التعريف بمنتوجاته دون المرور بالإشهار . ويعرف المشرع الإشهار بأّنه " كل عملية اتصال تهدف بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى تنمية بيع منتوجات أو إسداء خدمات مهما كان المكان أو وسائل الاتصال المعتمدة" وهو ما يحتوي عليه الفصل 35 من القانون عدد 40 لسنة 1998 والمتعلق بالبيع عن بعد والإشهار التجاري .
فالإشهار على شبكات الأنترنات يسمح بالقيام بزيارات افتراضية داخل أروقة المغازات دون الإنتقال إلى المحلات المادية ولغاية حماية المستهلك من بعض الإشهارات غير الشرعية فلقد وضع المشرع ضوابط والالتزامات يقيد بها الأطراف المعنية في عمليات الإشهار والتي تجمع المعلن وعون الإشهارولقد اقتضى الفصل 36 من القانون المذكور أعلاه أن عملية الإشهار لا تكون قانونية إلا إذا تعلقت بنشاط مرخص فيه أو منتوجات يسمح تبادلها كما يجب أن يكون الإشهار متعلقا بعمليات أو أشياء قانونية وهو ما يمنع الإشهار الكاذب وما ينجر عنه من أضرار في شأن المستهلك. فقبل القيام بعمليات الإشهار يتحتم على البائع من إنشاء متجر افتراضي و يجب التمييز في هذا الإطار بين البائع المحترف والبائع غير المحترف إذ في الحالة الأولى يقوم بإمضاء عقد يتعلق موضوعه ببعث متجر افتراضي على موقع من مواقع الأنترنات ويمكن أن يجمع هذا الموقع بين عدد كبير من التجار يلتزمون بموجب هذا العقد باحترام أخلاقيات المهنة و الأعراف التجارية الدولية . أما بالنسبة الى البائع غير الحرفي الذي يقوم ببيع بعض الأمتعة فإنه قبل القيام بوضع البضائع على الفضاء التجاري يلتزم كذلك باحترام بعض القواعد التي يضعها صاحب الفضاء التجاري الذي يجمع بين جميع البائعين غير الحرفيين.
نظرا للصعوبات التي قد يتعرض إليها بعض المستهلكين في خصوص الاقتناء من هذه المواقع على اللأنترنات ونظرا لبعض الإشكالات المتعلقة بالمبيعات وسلع التي يتضمنها هذا الفضاء الإلكتروني فلقد تلتزم المؤسسات بحل كل هذه الإشكاليات عبر جهاز الهاتف وكذلك عبر المراسلة الإلكترونية . إن هذا النوع من الخدمات يستوجب ضرورة اللجوء إلى أشخاص ذات الكفاءات العالية في ميدان الإعلامية تعمل على إعانة الحريف على مواجهة بعض الصعوبات التقنية .
حمل المشرع البائع في عقود التجارة الإلكترونية التزامات الهدف منها تنظيم المبادلات التجارية على مستوى التنفيذ وحماية الطرف الضعيف المتمثل في المستهلك ويقابل هذه الالتزامات من جانب البائع التزامات يتحملها المشتري .

مبحث ثاني: الإلتزامات المحمولة على المشتري

لا تختلف هذه الإلتزامات عن تلك التي تنص عليها مجلة الإلتزامات و العقود فبالرغم من أن عقود التجارة الإلكترونية هي عقود خاصة من حيث إبرامها و تنفيذها يبقى دفع الثمن وقبض المبيع هما الأمران الذان يتحملهما المشتري. بالإضافة إلى هذه الالتزامات المشتركة بين العقود المدونة والعقود الإلكترونية يتحتم علينا التعرض إلى النظام القانوني لوسائل الدفع الإلكتروني.
فقرة أولى خصوصية واجب دفع ثمن و قبض المبيع
يمثل ركن الثمن من بين الأركان الجوهرية في عقد البيع وكدليل على ذلك ما أكدته محكمة التعقيب في قرارها الصادر بتاريخ 26 ديسمبر 1989 على أن الثمن ركن من أركان البيع الأساسية وغيابه في العقد موجب لبطلان البيع ويتمثل الثمن في مبلغ مالي يدفع للبائع لخلاص قيمة المبيع حسب ما نص عليه اتفاق الطرفين ويخضع المبدأ بالنسبة إلى عقود التقليدية في التشريع التونسي إلى تحديد الثمن باتفاق الطرفين لكن هذا المبدأ يختلف في إطار عقود التجارة الإلكترونية إذ يمكن أن ينفرد البائع بتعيين الثمن ولا يبقى للمشتري إلا قبول أو رفض التعاقد وهو ما يدعم فكرة عقود الإذعان. إن الفصل 25 من القانون عدد 83 لسنة 2000 والمتعلق بالمبادلة والتجارة الإلكترونية حمل البائع عند إبرام العقد إعلام المشتري مسبقا بعدد من البيانات من بينها سعر المنتوج محل العقد. لا تمثل فكرة تعيين الثمن من جانب واحد أمرا ينفرد به عقد التجارة الإلكترونية بل هو المبدأ في تحديد الثمن في عقود البيع عن بعد وهو ما نص عليه الفصل 28 من قانون عدد 40 لسنة 1998.
فواجب دفع الثمن يطرح إشكال زمن القيام بالدفع ولم يحدد المشرع أجلا قانونيا للقيام به لكن تجري العادة في مثل هذه المعاملات على أن يعتمد تاريخ تسليم المنتوجات للقيام بدفع الثمن وإن هذا الحل هو الحل الأنسب في عقود التجارة الإلكترونية إذ يمكن المشتري بمعاينة المنتوجات والتثبت من المواصفات التي نص عليها البائع على الشبكة .
إن خصوصية عقود التجارة الإلكترونية تجعل المتعاقدين منفصلين جغرافيا وهوما أدى إلى ظهور وسائل دفع ملائمة تسمح في الوقت نفسه بضمان خلاص البائع وإلى قبول هذا الدفع على نطاق واسع وعالمي ولم يحصر المشرع التونسي وسائل الدفع التي يجب استعمالها عبر اللأنترنات بل فضل ترك هذه الأمور للتطور المستمر للتقنيات التي تقوم عليها هذه الوسائل .هذا الاتجاه اتخذه المشرع الفرنسي وكذلك الاتحاد الأوروبي من خلال توصيته المؤرخة في 30 جويلية 1997 والمتعلقة بالعمليات المنجزة بواسطة وسائل الدفع الإلكتروني.

ولقد عرف المشرع التونسي وسيلة الدفع الإلكترونية بالفصل الأول من القانون عدد83 لسنة 2000 المؤرخ في 09 أوت 2000 بكونها الوسيلة التي تمكن صاحبها من القيام بعمليات الدفع المباشر عن بعد عبر الشبكات العمومية للاتصال ومن أبرز الوسائل المستعملة للدفع الإلكتروني نذكر الشيك الإلكتروني وهو وسيلة دفع ناجعة وأكثر أمانا من نظيره الورقي، إلى جانب البطاقة البنكية التي إما تكون في شكل بطاقة سحب أو وفاء أو ائتمان ويتسم هذا الدفع بالسرعة والبساطة ثم حاملات النقود الإلكترونية أو الافتراضية وهي لا تختلف عن الدفع الآلي بالبطاقة إلا على مستوى المبالغ الزهيدة لأنها مخصصة للمعاملات المسبقة الدفع وأخيرا النقود الإلكترونية مثل تلك التي وضعها البريد التونسي على ذمة العموم وهي الدينار الإلكتروني.
تمكن هذه الوسيلة من إنجاز عملية إيجابية على الإنترنات 24 ساعة على 24 ساعة 7 أيام على 7. بالإضافة إلى واجب دفع الثمن يتحمل المشتري في بعض الحالات الخاصة واجب التعاون والمشاركة الذي يتمثل في ضمان تنسيق مجدي مع البائع وذلك من خلال إقامة اتصال و حوار بين الطرفين الهدف منه إنجاح عملية التعاقد وتنفيذ العقد ويحمل هذا الواجب على عاتق المشتري وتزداد أهمية هذا الواجب في خصوص بعض المبادلات المعقدة أو المركبة التي يقتضى تنفيذها قدرا عاليا من الحرص من الجانبين.

الفقرة الثانية: النظام القانوني لوسائل الدفع الإلكتروني

لم يتعرض قانون المبادلات و التجارة الإلكترونية إلى وضع نظام خاص لوسائل الدفع الإلكتروني إذ اعتبر القواعد القانونية السارية المفعول كافية لمجابهة جميع النزاعات التي قد تترتب عن استعمال وسائل الدفع الإلكترونية وعلي هذا الأساس يخضع الدفع الإلكتروني في الإثبات إلى مبدأين الأول يخضع الإثبات إلى مبدأ الحرية وذلك باستثناء الحالات التي يستوجب فيها القانون اعتماد كتب ثان في صورة التشكيك في مصداقية وسيلة الدفع وعلى من يدعي ذلك إثباته .
يتضمن قانون المبادلات و التجارة الإلكترونية بعض القواعد التي تهم واجبات صاحب وسيلة الدفع ومصدرها. في هذا السياق تعمل هذه القواعد على تحديد الطرف المسؤول في صورة حصول استعمال غير شرعي لوسيلة الدفع وقد نص الفصل 37 من القانون عدد 83 لسنة 2000 على ضرورة إعلان صاحب وسيلة الدفع مصدرها في صورة سرقتها أو ضياعها ويعتبر المشرع تاريخ الإعلام معيارا لتحديد الطرف المسؤول عن هذه الاستعمالات غير المشروعة فصاحب الوسيلة مسؤول في صورة استعمالها من قبل الغير من لحظة ضياعها أو سرقتها إلى تاريخ إعلام المصدر و بالتالي فبعد عملية الإعلام يكون المسؤول الحقيقي المصدر.
يتحمل صاحب البطاقة الإستعمال المزيف وغير المشروع لوسيلة الدفع حتى ولو كان هو نفسه غيرعالم بحصول ذلك الاستعمال في صورة وجود تقصير منه في حفظ وسيلة الدفع ولقد أعفى المشرع التونسي في بعض الحالات صاحب وسيلة الدفع من كل مسؤولية وتتمثل هذه الحالات في صورة وجود تدليس أما الثانية فهي صورة استعمال وسيلة الدفع الإلكتروني دون تقديم الوسيلة وتحديد الهوية إلكترونيا. في صورة عدم ارتكاب صاحب الوسيلة لأي خطأ رغم ذلك فقد تم استعمال وسيلة الدفع وفي هذه الحالة لا يمكن أن تحمل عواقب ذلك الاستعمال غير المشروع بما أن المصدر هو المسؤول على النقائص التقنية للوسائل المعتمدة باعتباره مطالبا باستعمال كل الوسائل والتقنيات اللازمة لضمان وسيلة الدفع و من بين القرارات التي حددت واجبات كل طرف في عمليات الدفع الإلكتروني نذكر القرار الصادر عن محكمة التعقيب الفرنسية في 8 نوفمبر 1989 والذي أشار من خلال فقه القضاء بأن الرمز السري له القدرة على التعريف بصاحبه واعتباره نوعا من الإمضاء الإلكتروني ونفي مسؤولية البنك عن ضياع الرمز السري من قبل الحريف.
لم يعالج المشرع التونسي عديد المسائل المتعلقة بالدفع الإلكتروني ولم يقم بوضع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الدفع على غرار مبدأ عدم الرجوع في الأمر بالدفع وبمقتضى هذا المبدأ لا يمكن للحريف الرجوع في الأمر بالدفع بسبب عدم تمام عملية البيع مثلا ويتفرع عن هذا المبدأ قاعدة أخرى وهي عدم المعارضة بالاستثناءات التي نص عليها المشرع الفرنسي في القانون المؤرخ في 31 ديسمبر 1991 المتعلق بسلامة التعامل بالشيكات والبطاقات البنكية ومفاده أنه لا يمكن معارضة البنك بما قد يقع في علاقة صاحب البطاقة بالمستفيد كعدم إتمام هذا الأخير لتعهداته التعاقدية التي يمكن أن تتمثل في عدم تسليم المبيع.

الفصل الثاني التنفيذ القضائي في عقود التجارة الإلكترونية

يقتضي العقد الإلكتروني كجميع العقود الأخرى توفر جملة من الشروط لتجعل منه عقدا صحيحا قانونيا وإذا ما تم تكوين وإبرام العقد باحترام الشروط اللازمة فإنه يجب على كل طرف تنفيذ واجباته حسب ما ينص عليه العقد بما أنه شريعة الطرفين. فعدم تنفيذ أحد الطرفين للعقد الذي نشأ صحيحا يعتبر مخالفة للقانون وفي هذه الصورة يمكن للطرف الآخر الطلب بالتنفيذ.
فالطبيعة اللامادية والافتراضية التي تتميز بها هذه العقود تطرح جملة من الإشكالات الخاصة والتي تتحقق في صورة حصول نزاعات بين المتعاملين وتتمثل بالأساس في إثبات العقد الإلكتروني من جانب و تحديد المحكمة المختصة و القانون الواجب تطبيقه.

مبحث أول: خصوصية نظام إثبات عقود التجارة الإلكترونية

إن تنفيذ العقود الإلكترونية عند نشأة نزاع بين المتعاقدين يحوم غالبا حول إثبات هذه العلاقة التعاقدية ففي معظم الحالات ينكر أحد الطرفين وجود هذه العلاقة أو ينازع في أحد بنود العقد. بالرجوع إلى القانون عدد 57 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جوان 2000 المتعلق بإتمام بعض فصول مجلة الإلتزامات والعقود فقد اعترف المشرع التونسي بالمساواة بين الكتب الورقي والكتب الإلكتروني إذا ما كانت الوثيقة الإلكترونية تحتوى على جملة من الشروط فلم يكتف بالإعتراف بالوثيقة الإلكترونية ككتب من جملة الكتائب بل أقر بأنها تتسم بميزة الإثبات والحجية لكن هذه الحجية تخضع في بعض الأحيان إلى تقدير القاضي.

الفقرة الأولى: مكانة الكتب الإلكتروني في منظومة الإثبات

لقد لاءم المشرع التونسي مواكبتا منه للثورة التكنولوجية الأحكام المتعلقة بوسائل الإثبات مع ما يترتب عن هذه الثورة من نتائج وتمثل ذلك في تنقيح مجلة الالتزامات والعقود بمقتضى القانون عدد 57 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جوان 2000. لكن قبل هذا التنقيح كان ما يشغل بال الباحثين والدارسين هو وجود إمكانية إدراج الوثيقة الإلكترونية ضمن وسائل الإثبات المقبولة في المادة المدنية وما أعاق إدراج الوثائق الإلكترونية صلب وسائل الإثبات هو التشبث بالمفهوم الورقي للكتب مما أدى إلى وجود فاصل كبير بين العقود الإلكترونية ووسائل الإثبات الخمسة المعتمدة قانونا على معنى الفصل 427 من مجلة الإلتزامات والعقود وبمرور الوقت وتعميق النظر في حجية الوثيقة الإلكترونية أمكن تجاوز كل هذه الصعوبات وأصبح الكتب الإلكتروني بمختلف طرق كتابته مستوعبا في مفهوم الحجة المكتوبة . فأدرج المشرع الكتب الإلكتروني في إطار المنظومة التقليدية للإثبات وبالتحديد صلب الفرع الخاص بالحجج غير الرسمية لكن التساؤل الذي يظل هو معرفة القوة الإثباتية للكتب الإلكتروني مقارنة بالكتب اليدوي الورقي.
فبالرجوع إلى الفصل 453 مكرر المضاف لمجلة الإلتزامات و العقود ومقاربته بمنظومة الإثبات التقليدي نلاحظ أن الكتب الإلكتروني تتأرجح حجيته بين الحجة غير الرسمية، الحجة الرسمية وبداية الحجة المكتوبة. أما مبدأ حجية الوثيقة الإلكترونية يتمثل في أن الكتب الإلكتروني هو حجة غير رسمية نص عليه الفصل 453 مكرر الذي أضافه القانون عدد 57 لسنة 2000 بمجلة الالتزامات والعقود وقد احتوى هذا الفصل في فقرته الثانية على أن الوثيقة الإلكترونية تعد كتبا غير رسمي إذا كانت محفوظة في شكلها النهائي بطريقة موثوق بها ومدعمة بإمضاء إلكتروني ولقد ارتقى المشرع بالكتب الإلكتروني إلى مرتبة الكتب ذي القيمة الإثباتية لكنه أوجب توفر شرطين وهما الاعتراف بأن تكون الوثيقة المحفوظة في شكلها النهائي بطريقة موثوق بها ومدعومة بإمضاء إلكتروني وحتى تكون الوثيقة الإلكترونية كتبا غير رسمي يجب أن تستجيب إلى التعريف الذي اقتضاه المشرع بالإضافة إلى ذلك توفر الشرطين الذي وقع ذكرهما. فهي حجة غير رسمية تكتسي حجية نسبية إذ يمكن إثبات عكس ما جاء بها دون الحاجة للقيام بدعوى الزور.
وبغاية ملائمة النظام القانوني لنسخ الحجج مع بعض تطبيقات الواقع الإلكتروني اعتراف المشرع بالقوة الثبوتية لنسخ الحجج الإلكترونية فالتمييز بين الأصل والنسخة على مستوى التعامل الإلكتروني هو تمييز دون جدوى لأن الطبيعة الرقمية تجعل منها وثيقة أصلية في كل مرة فيمكن أن نجد معنى لهذه التفرقة التي قام بها المشرع بين الأصل والنسخة في الحالة التالية: الأصل حسب قصده يمكن أن يكون الوثيقة الإلكترونية التي تم تحريرها إلكترونيا على شاشة الحاسوب ويقصد بالنسخة نفس الوثيقة التي تم تسجيلها على الحامل الإلكتروني لغاية حفظها وهو ما يشرح اشتراط المشرع على النسخة أن تكون ثابتة ودائمة، غير قابلة للتغيير عند التسجيل أو طوال مدة حفظها وبالرغم من هذا التأويل يعتبر هذا الفصل الذي قام به المشرع بين الأصل والنسخة عقيما إذ كان عليه اعتبار معيار درجة سلامة الوثيقة أكثر من التمييز بين الأصل والنسخة لاعتماد قوتها الثبوتية. يمكن للكتب الإلكتروني أن يرتب آثار الحجة الرسمية من خلال ما اقتضاه الفصل 477 من مجلة الإلتزمات والعقود والذي يشير إلى أن الكتب غير الرسمي إذا اعترف به الخصم أو ثبتت صحته قانونا ولو بغير الاعتراف اعتمد ككتب رسمي بالنسبة إلى طرفين. بالرجوع إلى الفصل 453 مكرر وبما أن المشرع اعتبر صلب هذا الفصل العقد الإلكتروني كتبا غير رسمي فإن أحكام فصل 449 تنطبق عليه بالتالي يمكن للكتب الإلكتروني أن يؤدي آثار الحجة الرسمية. فاكتساب الكتب الإلكتروني لخصائص الحجة الرسمية يجعل الطعن فيه غير ممكن إلا من خلال دعوى الزور كما بإمكان الكتب الإلكتروني أن ينحدر إلى مرتبة بداية الحجة المكتوبة حسب عبارة الفصل 477 من مجلة الإلتزامات والعقود والذي عرفها المشرع على أنها كل كتب صدر من الخصم أو من نائبه أو من انجر له حق فيه يقرب به احتمال ما تضمنته الدعوى. ومن خلال عبارة كل كتب يمكننا أن نستشف أن العقود الإلكترونية تدخل في نطاق هذا الفصل الذى يستوعب كل أنواع الكتابة في مفهومها اليدوي الورقي والإلكتروني فحتى يتم اعتماد الكتب الإلكتروني كبداية حجة مكتوبة يجب أن يكون هذا الكتب صادرا عن الخصم أي أن الخصم هو الذى أنشأه أو حرره بنفسه أو عن طريق مأمور عمومي أو عن وكيله في حدود وكالته وأخيرا ينبغي أن يحقق الكتب قرب احتمال ما تضمنته الدعوى حتى يكسب وصف بداية الحجة المكتوبة إلا أن هذه المسألة الأخيرة تعتبر موضوعية وتخضع إلى تقدير القاضي.
الفقرة الثانية: دور القاضي في تقدير حجية الكتب في عقود التجارة الإلكترونية بما أن قواعد الإثبات هي قواعد تهم مصالح الخصوم الشخصية فيمكن الإتفاق على خلافها بتحديد الطرف المتحمل لعبء الإثبات أو فيما يتعلق بوسائل الإثبات وهو ما نص عليه الفصل 441 من مجلة الالتزامات والعقود و يتقيد القاضي بهذا النوع من الإتفقات في صورة وجودها ، لكن لهذا الاتفاق بعض الحدود إذ لا يجوز حول وسائل إثبات بعض التصرفات القانونية التي يكون فيها الكتب شرط صحة وشرط إثبات فينطبق الفصل السابق على عقود التجارة الإلكترونية على أن البينة بالكتابة تحصل من الحجج الرسمية وغير الرسمية.
ففي صورة الاتفاق بين الأطراف على كيفية إثبات وجود المبادلة الإلكترونية وتفاصيلها فقد يساعد القاضي على ترجيح الكتب الإلكتروني على غيره من وسائل الإثبات ولكن وفي صورة غياب هذا الإتفاق فإن دور القاضي يزداد أهمية وصعوبة إذا ما حصل تنازع بين الوثيقة الإلكترونية ووسائل الإثبات الأخرى.
لم يتعرض المشرع التونسي لمسألة حجية الكتائب الإلكترونية في حالة تنافسها مع وسائل إثبات أخرى وذلك خلافا لما قام به المشرع الفرنسي بالفصل 1316-2 من المجلة المدنية والذي أقر بموجبها أنه يتم الترجيح بين الكتب الإلكتروني والكتب اليدوي بغض النظر عن طبيعة السند الحامل للكتابة. أما بالنسبة إلى القانون التونسي فيمكن التفريق بين صورة التنازع بين الكتب الإلكتروني والحجة الرسمية ثم اليمين الحاسمة، البينة بشهادة الكتب اليدوي غير الرسمي وأخيرا صورة التنازع بين كتبين من نفس الطبيعة الإلكترونية . في خصوص الصورة الأولى التي تتمثل في تنازع كتب إلكتروني و حجة رسمية نلاحظ أن الكتب الرسمي له علوية على سائر الحجج المكتوبة وهو ما نستشفه من عبارة الفصل 444 من مجلة الالتزامات والعقود فإذا ما تعارضت الوثيقة الإلكترونية مع الكتب الرسمي فقد يتم تغليب الكتب الرسمي في الإثبات لكن هذه العلوية ليست مطلقة إذ لا تتحقق إلا في حالة أن شهد المأمور الذي حررها بوقوع الاتفاق بمحضره ولكن فيما زاد عن ذلك يمكن اعتماد الكتب الإلكتروني في معارضة الكتب الرسمي.
ويجوز توجيه اليمين الحاسمة للنزاع في كل درجة من المرافعة وفي جميع أصناف الدعاوي بالتالي يمكن معارضة الكتب الإلكتروني مبدئيا بتوجيه اليمين لكن هذه اليمين لا تقبل قانونا إذا ما كان الهدف منها إثبات معاملة يوجب القانون ثبوتها بحجة رسمية أو بالتسجيل.
ينص الفصل 474 من مجلة الالتزامات والعقود في خصوص البينة بالشهادة على أنه لا تقبل فيما بين متعاقدين لمعارضة ما تضمنه الكتب ونستنتج من هذا الفصل أن الكتب الإلكتروني يتميز بعلوية من حيث حجيته على البينة بالشهادة وذلك حتى وإن كانت قيمة الشيء محل المنازعة دون الألف دينار. إن هذا الحل يحترم الدرجة التي يتميز بها الكتب الإلكتروني بما أنه وسيلة إثبات كاملة مقارنة بالبينة بالشهادة التي تمثل وسيلة إثبات ناقصة.
ففي صورة تنازع بين كتب إلكتروني وكتب يدوي غير رسمي فإن الحل يتمثل في الفصل بين الحالتين التي يكون فيهما العقد الإلكتروني مرة كتب غير رسمي والحالة التي يكون فيها هذا الكتب بداية حجة بالكتابة في الصورة التي يكون فيها الكتب الإلكتروني مفتقدا لأحد الشرطين المذكورين سابقا. ففي الحالة الأولى التي يكون فيها الكتب الإلكتروني كتبا غير رسمي فحجيته تساوي حجية الكتب اليدوي غير الرسمي ويبقى للقاضي ترجيح الكفة حسب العناصر التي قدمت إليه أما في الحالة الثانية فلا يمكنه معارضة الكتب الورقي غير الرسمي بما أنه يشكل بداية حجة بالكتابة .
إن التنازع بين كتبين إلكترونيين يجعل القاضي يتثبت من توفر الشروط القانونية التي ينص عليها المشرع و التى تخص الحفظ و الإمضاء الإلكتروني وفي صورة توفر هذه الشروط في كلا الكتبين الإلكترونيين فإنه يتم اللجوء إلى وسائل إثبات أخرى لحسم النزاع ولا يخفى أن الكتب الإلكتروني الذي يستوفي كل الشروط القانونية يتسم بالعلوية مقارنة بالكتب الإلكتروني الذي لا تتوفر فيه شروط الإمضاء والحفظ. يمكن للطرف المحتج ضده بذلك الكتب الطعن في صحته ولا يقف هذا الطعن على عرض الكتب على الإختبار وإنما يصل إلى رميه بالزور ولقد أتاح المشرع صلب الفصل 234 من مجلة الالتزامات والعقود إمكانية طلب الإذن في إثبات الزور لدى المحكمة الابتدائية أو محكمة الإستئناف أثناء الدعوى الأصلية وبالتالى يمكن الطعن في صحة الكتب. ففي إطار دعوى الزور المدني الذي يخضع إلى الفصول 234 إلى 239 من مجلة مرافعات المدنية والتجارية يبقى للمحكمة تقدير جدية هذه الدعوى إذ يمكن رفضها في صورة انعدام كل أساس لها أما في صورة تبين الزور فهي توقف العمل بالكتب.
وفي خصوص حالة الطعن بالزور الجنائي ينص الفصل 240 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية على أنه يعطل هذا الطعن الحكم في النازلة إلا إذا كان هذا الأخير ليس له علاقة بالكتب المخدوش ولقد تم تعريف جريمة التزوير بموجب القانون عدد 89 لسنة 1999 المؤرخ في 02 أوت 1999 بأنها جريمة قائمة إذا ما عمد الموظف العمومي أثناء مباشرة وظيفته إلى ارتكاب زور من شأنه إحداث ضرر عام أو خاص في صورة صنع وثيقة مكذوبة أو تغيير معتمد للحقيقة بأي وسيلة كانت في كل سند سواء أكان ماديا أو غير مادي.
المبحث الثاني: خصوصية التنفيذ القضائي لعقود التجارة الإلكترونية إن التجارة الإلكترونية بحكم طبيعتها تتجاوز الحدود الجغرافية فهي تجمع بين أشخاص مقيمين في دول مختلفة وهو ما يثير بعض التساؤلات والصعوبات التطبيقية على مستوى تحديد المحكمة المختصة والقانون الواجب تطبيقه .
الفقرة الأولى: تحديد المحكمة المختصة
يمكن تحديد المحكمة المختصة لفض النزاعات الناشئة عن عقود التجارة الإلكترونية إما بموجب القانون أو من خلال إرادة الأطراف .
قامت اتفاقية بروكسال المؤرخة في 27 سبتمبر 1968 واتفاقية لوغانو المؤرخة في 16 سبتمبر 1988 بتنظيم مسألة اختصاص المحاكم في فض النزاعات في الصو رالتى يكون فيها المدعي منتميا إلى أحد البلدان الأوربية وقد حدد الفصل 5 من اتفاقية بروكسال المحكمة المختصة على أنها محكمة مكان تنفيذ الالتزام وذلك بالنسبة إلى العقود الفورية أو المباشرة وهو ما يزيح عقود التجارة الإلكترونية . وتتعقد عملية تحديد المحكمة المختصة في صورة إدماج شبكات الإنترنات و العقود الإلكترونية أو تحميل البرمجيات .في هذا الإطار اعتمد شراح القانون قاعدة عامة لتحديد المحكمة المختصة وهي قاعدة مكان الحاسوب ثم تم تنقيح وسحب الإجراءات والقواعد المتعلقة بالعقد إلى العقود الإلكترونية والتي تبنت فيها مقر المستهلك لتحديد المحكمة المختصة
اعتمدت اللجنة الأوروبية مفهوم النشاط الموجه إلى دولة معينة لتحديد المحكمة المختصة في هذه الحالة يمكن للمستهلك اللجوء إلى محكمة مقره كل ما كان النشاط موجه إلى بلاده الموجود بها أو إلى عدد من البلدان من بينها بلده.
يتمثل الإشكال الأساسي في عقود التجارة الإلكترونية في صعوبة تحديد مقر المتعاقد فإذا ما أخذنا مثال متعاقد تونسي مقيم في فرنسا حجز موقعا لدى مزود خدمات في أمريكا فإن هذه الحالة تعقد تحديد مقر المتعاقد وقد تم تعريف الموقع بأنه ذلك الفضاء الفرضي المعبر عنه باسم المجلس.
لم يول المشرع التونسي من خلال القانون عدد 83 لسنة 2000 اهتماما بمسائل العقود الإلكترونية في خصوص تحديد المحكمة المعنية بالنزاع.
فإذا ما كان النزاع يجمع بين أطراف تونسيين فإن معرفة المحكمة المختصة يقع من خلال الرجوع إلى قواعد الاختصاص الحكمي والإختصاص الترابي الوارد ضمن التشريع التونسي. أما فيما يخص النزاعات الدولية فيجب اللجوء في شأنها إلى مجلة القانون الدولي الخاص الصادر بمقتضى قانون عدد 7 لسنة 1998 المؤرخ في 27 نوفمبر 1998 فقد تمت الإشارة صلب هذا القانون بفصله الخامس على أن المحاكم التونسية تكون مختصة في حالة أن الدعوى متعلقة بعقد نفذ أو كان واجب التنفيذ بالبلاد التونسية وما يمكن ملاحظته هو أن المشرع قام بحذف معيار إبرام العقد ليحتفظ بمعيار التنفيذ واعتمد هذا المعيار لأهميته بما أنه يترجم الرابط الحقيقي بين النزاع والنظام القانوني التونسي فضرورة اعتماد معيار التنفيذ أي تنفيذ العقد في البلاد التونسية هو معيار مهم لأنه من خلال هذا التنفيذ ستنتج العلاقة أثارها الأساسية.
يمكن لاختصاص المحكمة أن يكون مؤسسا على إرادة الأطراف وهو ما ورد بالفصل الخامس من قانون عدد 7 لسنة 1998 مؤرخ في 27 نوفمبر 1998 ويتحقق ذلك بمجرد إدراج الشرط الإسنادي للمحكمة صلب العقد ويمكن لهذا الاتفاق أن يكون صراحة أو ضمنيا فإذا ما كان هذا الإتفاق صراحة فيتم بموجبه إسناد الاختصاص للمحاكم التونسية للنظر في النزاع ولم يشترط المشرع على هذا الاتفاق أن يتخذ شكلا كتابيا أما بالنسبة إلى الاتفاق الضمني فيعبر عنه بوجود إرادة مشتركة حقيقية غير معبر عنها بصفة شكلية وصريحة ويستنتج من خلال التصرف الإجرائي الذي يقوم به المتقاضون مثال ذلك استدعاء المطلوب من قبل الطالب أمام المحاكم التونسية على الرغم من عدم اختصاصها وفي حالة مثول المطلوب أمام هذه المحاكم فإنه يعبر عن قرينة القبول فيعتبر ذلك اتفاقا ضمنيا.
لكن لتجاوز كل هذه الإشكالات فيما يخص تنازع الاختصاص يمكن اللجوء إلى اعتماد ما يسمى بوسائل التقاضي البديلة فنظرا لسرعة المعاملات في عالم الأنترنات ظهرت أهمية اللجوء إلى طرق التقاضي البديلة كالتحكيم، فهذه الوسائل الجديدة تمكن من تجاوز صعوبات تحديد الاختصاص ونظرا لمزاياها فقد أصبح الإتجاه الدولي المتنامي نحو تطبيق وسائل التقاضي البديلة وقد يعرف التحكيم بأنه وسيلة يتم بموجبها تسوية المسائل محل النزاع ويتعهد بهذه المسألة شخص أو أكثر يسمى المحكم أو المحكمين على شرط أن يتصف الأشخاص بالحياد ويكون حكمهم نهائيا وملازما للأطراف. إن السرعة التي تتسم بها التجارة الإلكترونية توازيها يسر ومرونة التحكيم الإلكتروني حيث بموجب هذا التحكيم ليس من الضروري الانتقال إلى محل مادي أمام المحكمين بل يمكن سماع المتنازعين عبر وسائط الإتصال الإلكترونية ونظرا لهذه الاعتبارات الأساسية والمرونة التي تتميز بها وسائل التقاضي البديلة فقد قامت الدول بتشجيع اعتماد هذه الوسيلة أساسية في حل النزاعات ناشئة عن تنفيذ العقود الإلكترونية على شبكة الإنترنات و لتدعيم هذه الفكرة وجه الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء بعدم وضع عقبات قانونية ضمن التشريعات لاستخدام آليات تسوية النزاعات .
الفقرة الثانية: تحديد القانون الواجب تطبيقه
لقد يراعي تحديد القانون المنطبق مصلحة المستهلك الذي يجوز له أن يبقى على تشريع في بلاده ويمكن تحديد القانون الواجب التطبيق عن طريق اتفاق الأطراف أو قواعد تنازع القانون.
يعتبر اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق مبدأ معترفا به من قبل الأنظمة القانونية الوطنية والإتفاقات الدولية ويتجسد ذلك في القانون التونسي عبر الفصل 62 من القانون الدولي الخاص الصادر بتاريخ 27 نوفمبر 1998 و الذي يشير على أن العقد يحكمه القانون الذي سماه الأطراف أما على المستوى الدولي فنجد اتفاقية لاهاي في المادة الثانية منها وفي فقرتها الأولى تشير إلى أنه يسري على البيع القانون الداخلي للبلد الذي تحدده إرادة الأطراف كما تنص اتفاقية جوناف الأوروبية للتحكيم على أن الأطراف أحرار في اختيار القانون الذي يتعين على المحكمين تطبيقه على موضوع النزاع. كما اعتمدت اتفاقية روما المؤرخة في 14 جويلية 1987 هذا الإتجاه عندما أقرت حرية الأطراف في تحديد القانون ثم في غياب الاتفاق ينطبق قانون الدولة الأكثر ارتباطا بالعقد. ويمكن أن يكون اتفاق الأطراف في تحديد القانون الواجب تطبيقه صريحا أو ضمنيا كما هو الحال بالنسبة إلى تحديد المحكمة المختصة .
إن نماذج العقود الموجودة على شبكات الإنترنات هي عقود يقبل فيها المتعاقد المستهلك أو المشتري بنوده دون التفاوض فيها فعمليا يقوم التاجر بفرض القانون الذي يحقق مصالحه باعتبار أنه هو الذي تولى إعداد هذه العقود وفي هذا الإطار أقرت اتفاقية روما لسنة 1980 المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق على أن التنصيص في عقد التجارة الإلكترونية على تطبيق قانون التاجر لفض النزاع يعتبر غير شرعي و إن القواعد المتعلقة بحماية المستهلك لا يمكن تجاهلها وتبقى سارية المفعول .
في صورة عدم اتفاق الأطراف على تحديد القانون الواجب تطبيقه يتحتم اعتماد قاعدة التنازع التي تتمثل في إيجاد حل للنزاع في الحالة التي لا ينطبق عليها القانون الوطني مباشرة وهو ما يسميه الفقه الدولي الخاص بالتنازع. بالرجوع إلى القانون الدولي الخاص نجد أن تحديد القانون المنطبق لا يتم إلا بعد تحديد قاعدة التنازع ويتطلب تحديد هذه القاعدة تصنيف العلاقة القانونية وتسمى هذه العملية بالتكييف فإذا ما كان التكييف يسمح في القانون الداخلي بوضع حل جوهري فإنه لا يمكن على الصعيد الدولي إلا من تحديد قاعدة التنازع المنطبقة على النزاع ويتم التكييف حسب الأصناف الموجودة في القانون التونسي بالتالى تطبق المحكمة في التكييف والإسناد قانونها الوطني.
تعد قاعدة التنازع من قواعد النظام العام إذا ما تعلق الأمر بحماية المصلحة العامة و للقاضي أن يثير من تلقاء نفسه قاعدة التنازع الواجب تطبيقها في حالة سكوت الأطراف وينص الفصل 28 من القانون الدولي الخاص في فقرته الثانية على أنه إذا ما تتعلق قاعدة التنازع بمسائل يمكن التصرف فيها وتداولها مثل حقوق متعلقة بالذمة المالية فإنها تحافظ على إلزاميتها تجاه القاضي إلا إذا عبر الأطراف صراحة على التخلي عن تطبيقها .

الخاتمة

لقد أدى تطور نمط حياة الإنسان إلى ضرورة استحداث وسائل عصرية دون التي دأب على استعملها لتأمين تواصله مع الآخر فقد تم اكتشاف شبكات الإتصال التي تفاقم استعملها من وسيلة اتصال وتواصل إلى وسيلة تبادل السلع والبضائع عن بعد وهو ما أدى إلى نشأة التجارة الإلكترونية ونظرا لأهمية هذه المبادلات على المستوى الوطني والدولي قامت السلطات العمومية بتنظيم أوجه التعامل وتقنينها وقد نص المشرع التونسي على مجموعة من القوانين من بينها قانون 9 أوت 2000 المتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية وقانون عدد 57 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جوان 2000 والذي نقح بموجبه بعض فصول مجلة الإلتزامات والعقود وقد استجاب المشرع التونسي لمتطلبات التعامل الإلكتروني وصخر الأرضية الملائمة لتضخيم حجم المبادلات الإلكترونية إلا أن هناك جوانب أخرى لم يتطرق إليها مقارنتا ببعض الدول الرائدة التى تتمثل بالخصوص في غياب القواعد المنظمة لوسيلة الدفع عن بعد حيث اقتصرت وسيلة الدفع على الدينار الإلكتروني كما تغافل المشرع التونسي عن تنظيم مدة حفظ الوثيقة الإلكترونية بالرغم من أنه حمل طرفي المراسلة الإلكترونية بمسئولية حفظ الوثيقة.
لقد أصبحت الحاجة ملحة إلى إعادة النظر على المستوى الوطني والدولي لاستيعاب التغييرات الهائلة آلتي تحدث في أنظمة التجارة الإلكترونية.

قائمة المراجع

المراجع باللغة العربية:
• علي كحلون،التجارة الإلكترونية، مجلة القضاء والتشريع التونسية عدد 2 لسنة 2000
• محمد الزين، النظرية العامةلللإلتزمات:العقد، الجزء الأول مطبعة الوفاء، الطبعة الثانية1997
• علي كحلون،الجوانب القانونية لقنوات الإتصال الحديثة و التجارة الإلكترونية، دار الإسهامات للنشر.
• د .عابد بن عابد العبدلي، "المؤتمر العالمي الثالث لللاقتصاد"، جامعة أم القرى
• بديع بن عباس، القوة الثبوتية للوثيقة الالكترونية، مجلة القضاء والتشريع التونسية
• عابد بن عابد العبدلي، التجارة الإلكترونية في الدول العربيةز الواقع-التحديات-الآمال، المؤتمر العلمي الثالث لللإقتصاد العربي
OUVRAGES
A. Bensoussan, Internet : aspects juridiques, éd Hermès, 1998
Camille Froment, La loi applicable aux contrats de commerce électronique, mémoire DESS PARIS II – PANTHEON-ASSAS. 2001, 45p. Michel Vivant, Les contrats du commerce électronique, éd Droit@litec 1999
SITES INTERNET
الملاحق

• الخلاص عن طريق E-DINARS • الانخراط في منظومة الدفع الإلكتروني عبر الأنترنات • بعض المواقع التونسية التي تستعمل التجارة الإلكترونية • عملية المصادقة الإلكترونية