الأربعاء، 5 أغسطس 2015

دور جمعيات حماية المستهلك أمام القضاء في التشريع المغربي
تقوم  جمعيات حماية المستهلك بدور فعال في تمثيل المستهلكين  أمام القضاء ولعل ما يفسر ذلك التنظيم التشريعي الذي اهتم بالدور الذي تختص به في هذا الجانب ، والذي لم يعترف لها به إلا أخيرا  بمقتضى قانون حرية الأسعار والمنافسة المنفذ بمقتضى (ظهير5يونيو 2000)[1] وما تلته من تشريعات لاحقة ، من خلال منحها صفة التقـاضي ،وسنتناول  هذا الدور الذي تمارسه في قانون حرية الأسعــار والمنـافسة( الفقرة الأولى)ثم قانون المسطرة الجنائية الجديد (الفقرة الثانية)وقانون حماية الملكية الصناعية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى:على مستوى قانون حرية الأسعار والمنافسة
نصت المادة 99 من قانون حرية الأسعار والمنافسة على أنه:
 "لجمعيات المستهلكين المعلن أنها ذات منفعة عامة، أن تنتصب طرفا مدنيا أو أن تحصل على تعويضات عن الضرر اللاحق بالمستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة".
ويشكل هدا النص ثورة على النظام القانوني لتمثيل المستهلك من عدة نواحي :
-أنه أول قانون في المغرب منح لجمعيات المستهلكين الصفة للتقاضي أمام القضاء المدني أو الجنائي للدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين،
-أنه يعد طفرة تشريعية متقدمة بالمقارنة مع مدونة الاستهلاك الفرنسية التي لازالت تحظر على جمعيات حماية المستهلك رفع دعوى مدنية مستقلة عن الخطأ الجرمي للمطالبة بتعويضات عن الضرر اللاحق بالمصلحة الجماعية للمستهلكين،بخلاف التشريع المغربي الذي رفع كل لبس وجدل بتنصيصه صراحة على أنه يمكن لهـا أن تنتصب طرفا مدنيـا(أمام القضاء الجنائي) أو أن تحصل على تعويضات عن الضرر اللاحق بالمستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة.
ذلك أن المقصود بالدعوى المدنية المستقلة ليس الدعوى  المدنية المستقلة عن الدعوى العمومية وان استندت إلى الخطأ الجرمي ، وإنما أساسا الدعوى المدنية المستقلة عن الخطأ الجرمي ،وان كان يجوز أيضا من باب أولى إقامة دعوى مدنية منفصلة عن الدعوى العمومية وان استندت إلى الخطأ الجرمي ، طبقا لقاعدة الخيار (المادتين 9و10من ق.م.ج).

-أنه يتجاوز القواعد القانونية التقليدية للصفة والمصلحة طبقا( للفصل 1من ق.م.م والمادة 7فق1من ق.م.ج )اللذان يحتمان توافر المصلحة الشخصية المباشرة ،
- أنه يتجاوز القواعد القانونية التقليدية التي تعتبر النيابة العامة هي الحامية الوحيدة للمصلحة الجماعية التي تنتظم داخل المصلحة العامة،
-أنه يمكن من اتساع النطاق الحقوقي لعمل هذه الجمعيات ،بحيث يتحدد مجال اشتغالها بكل القضايا المدنية أو الجنائية أو الإدارية أو التجارية التي تدخل في عالم المنافسة والاستهلاك.
-أن منحه الصفة لهذه الجمعيات ينحصر في الدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين،لأنه هو مبرر وجودها ومحور عملها واهتماماتها.
والمقصود بالمصلحة الجماعية للمستهلكين الضرر الذي يمس مجموعة من المستهلكين ناتج عن أفعال متسعة النطاق وبالغة الانتشار،فهو ليس بضرر يمس المصلحة العامة ولا بضرر يمس المصلحة الفردية[2].
-أنه يمتع هذه الجمعيات بنفس الحقوق التي يتمتع بها أي طرف في الدعوى ،بحيث يمكنها المطالبة سواء أمام القضاء العادي أو المتخصص برفع الأضرار اللاحقة بالمصلحة الجماعية للمستهلكين من خلال وقف الأعمال المسببة لها،أيا كان الفاعل سواء من أشخاص القانون العام أو الخاص، وذلك تحت طائلة غرامة تهديدية والمطالبة أيضا بالتعويض العادل عنها الجابر الضرر وليس التعويض الرمزي[3]،كما يمكنها الطعن في الأحكام الصادرة بجميع طرق الطعن القانونية المتاحة.
الفقرة الثانية: على مستوى قانون المسطرة الجنائية الجديد
 نظم قانون المسطرة الجنائية الجديد لأول مرة الصفة التمثيلية للجمعيات بصفة عامة وليس فقط جمعيات حماية المستهلك، التي تخولها التقاضي للمطالبة بالحق المدني أمام القضاء الجنائي.
ونصت المادة 7من نفس القانون على أنه "يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة ،لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة .
يمكن للجمعيات المعلن أنها ذات منفعة عامة أن تنتصب طرفا مدنيا،إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي،وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي".
ويبدو من خلال هذا النص أن جمعيات حماية المستهلك لا تملك تحريك مسطرة الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنحية، لأن المشرع قصر تدخلها على ممارسة حقوق الطرف المدني بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو الطرف المتضرر.
وهكذا حدد المشرع عدة شروط لاكتسابها الصفة وهي أن تكون:
-مؤسسة بصفة قانونية،
-جمعية ذات منفعة عامة،
-مؤسسة قبل أربع سنوات.
-أن تمس الجريمة المؤسس عليها الانتصاب المدني مجال اهتمام الجمعية المنصوص عليه في قانونها الأساسي.  
و السؤال الممكن طرحه يتمثل فيما إذا كان مضي أربع سنوات على التأسيس شرط لم يتضمنه قانون 06.99 تلزم به جمعيات حماية المستهلك أيضا أم أنه يكتفى بشأنها بالشروط الواردة في قانون حرية الأسعار والمنافسة.
نعتقد كما هو رأي الفقه القانوني أن  جمعيات حماية المستهلك تظل خاضعة للشروط الواردة في قانون حرية الأسعار والمنافسة وليس لقانون المسطرة الجنائية الجديد باعتباره قانون خاص، والقاعدة أن الخاص يقدم على العام عند التعارض[4].
وهكذا يبقى قانون المسطرة الجنائية الجديد  بمثابة النص الإجرائي العام الذي ينظم الصفة التمثيلية للجمعيات بصفة عامة للادعاء بالحق المدني أمام القضاء الجنائي بصفة تبعية أو المدني بصفة أصلية مع الاستناد على الخطأ الجرمي  طبقا لقاعدة الخيار(المادتين 9و10من ق.م.ج).
الفقرة الثالثة:على مستوى قانون حماية الملكية الصناعية

  إذا كان المشرع سواء في قانون حرية الأسعار أو المنافسة أو في قانون المسطرة الجنائية اشترط حصول الجمعيات على المنفعة العامة لاكتسابها صفة التقاضي فان قانون حماية الملكية الصناعية خول للجمعيات المطالبة بالتعويض عن الضرر المترتب عن جريمة الاستعمال المباشر أو غير المباشر لبيانات المصدر[5] أو المنشأ[6] بكيفية كاذبة أو خادعة، إما في إطار الادعاء المباشر أو بالطريق المدني(المادة 183)،وذلك لحماية رضاء جمهور المستهلكين من كل غلط أو تدليس 

وهكذا اتسع مجال تدخل الجمعيات لتمثيل المستهلكين أمام القضاء بشأن مختلف حقوق الملكية الصناعية والتجارية مدنيا وجنائيا،مع ما يترتب عنه من حقها في المطالبة بوقف مختلف أنواع التزييف والتعويض عنها وإتلاف المتوجات والمواد المضرة بالصحة ونشر الحكم[7] .
وإذا كان قانون المسطرة الجنائية لا يمنح جمعيات حماية المستهلك حق تحريك مسطرة الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنحية لكون المشرع قصر تدخلها على ممارسة حقوق الطرف المدني بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو الطرف المتضرر،فان قانون الملكية الصناعية أجاز ممارسة الادعاء المباشر في حدود ضيقة.
كما منح المشرع  للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة حق طلب المشورة من مجلس المنافسة في كل مسألة مبدئية تتعلق بالمنافسة [8]( م 15 ).

كما أن المادة 4 من الظهير القاضي بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، منحت للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة تقديم الشكايات للمجلس الأعلى للاتصال السمعي والبصري المتعلق بخرق أجهزة الاتصال السمعي البصري للقوانين والأنظمة المطبقة على قطاع الاتصال السمعي والبصري خصوصا ما تعلق منه بحماية المستهلك ،وتملك هذه الجمعيات المطالبة بإيقاف الإشهار أو تعديله.










[1] - نظم المشرع المغربي قواعد المنافسة التجارية بالقانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، ويهدف هذا القانون كما تنص على ذلك ديباجته إلى تحديد الأحكام المطبقة على حرية الأسعار وإلى تنظيم المنافسة الحرة، وتحدد فيه قواعد حماية المنافسة قصد تنشيط الفاعلية الاقتصادية وتحسين رفاهية المستهلكين، ويهدف كذلك إلى ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية.
فقواعد المنافسة تستهدف إما بشكل مباشر أو غير مباشر حماية المستهلك بصفة أولية أو نهائية، ذلك أن أسعار السلع والمنتوجات والخدمات تحدد عن طريق المنافسة الحرة أي قانون العرض والطلب[.للتعمق حول هذا الموضوع،راجع ،محمد الهيني، الحماية القانونية للطرف الضعيف في عقد التأمين البري، لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص كلية الحقوق بفاس2005-2006،ص23.

[2] La protection judicaire des consommateurs, Lamy de droit économique 2003p1814.        

[3] -صعوبة تقدير الأضرار ومن ثم احتساب التعويض جعل بعض المحاكم الفرنسية تحكم بتعويض رمزي فقط ( 1أورو)،وهو ما عارضته محكمة النقض انظر: . Yves  Picod,Héléne Davo, Droit de la consommation,Armand,2005,p33
كما أن بعض الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع المغربية هي الأخرى قضت بتعويض رمزي فقط(درهم واحد)لفائدة الجمعية المغربية للمستهلكين رغم انعدام صفة هذه الجمعيات في إطار قانون المسطرة الجنائية القديم الملغى،
-حكم المحكمة الابتدائية لابن مسيك سيدي عثمان البيضاء الصادر بتاريخ 28/4/95 ملف جنحي عدد2020/ 95غير منشور،
 -حكم المحكمة الابتدائية لابن مسيك سيدي عثمان البيضاء الصادر بتاريخ 24/02/95ملف جنحي عدد2543/ 95غير منشور ،
-حكم المحكمة الابتدائية للدارالبيضاءأنفا الصادر بتاريخ 4/496 ملف جنحي عدد981/96،غير منشور.
أشارت اليها:نزهة الخلدي،الحماية المدنية للمستهلك ضد الشروط التعسفية-عقد البيع نمودجا-أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،كلية الحقوق أكدال الرباط-ص310.


[4] -و قد تنبه مشروع القانون المتعلق بحماية المستهلك إلى هذا التعارض ونص في فصله (152)على عدم خضوع هذه الجمعيات لمقتضيات الفصل 7فقرة2.
[5]-يراد بببان المصدر العبارة أو الشارة المستعملة للدلالة على أن منتجات أو خدمات ما مصدرها بلد أو مجموعة بلدان أو جهة أو مكان معين(م180).
[6]-تسمية المنشأ هي الاسم الجغرافي الذي يطلق على بلد أو جهة أو مكان ويستعمل لتعيين منتج يكون متأصلا منه وترجع جودته أو سمعته أو مميزاته الأخرى المحددة بصورة حصرية أو أساسية إلى الوسط الجغرافي الذي يشتمل على عوامل طبيعية وعوامل بشرية. (م181).
[7] -ولا يمكن إقامة دعوى بطلان براءة الاختراع وغيرها من حقوق الملكية الصناعية من طرف الجمعيات لأنها دعوى تنصب على الملكية وأيضا لعدم الاعتراف لها قانونا برفعها،انظر:محمد الهيني ،دعوى بطلان براءة الاختراع في قانون الملكية الصناعية الجديد،مجلة القضاء والقانون عدد151 ص180.
[8] - يقوم مجلس المنافسة بصفته جهاز ضبط إداري  استشاري بمراقبة الممارسات المنافية للمنافسة،ويمكن أن تشمل تدابير المراقبة وقف الممارسة المعنية وكذا إصدار أمر للأطراف بالرجوع إلى الوضعية السابقة إذا كانت هذه الممارسات تلحق مساسا خطيرا وفوريا باقتصاد البلاد أو اقتصاد القطاع المعني بالأمر أو بمصلحة المستهلكين أو المنشآت المتضررة [المادة 32 من قانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة]، إلا أن ما يعاب على هذا المجلس كونه يبقى مجرد جهاز استشاري بدون فعالية كبرى لأنه يفتقد لسلطة التقرير التي ترجع إلى سلطة الوزير الأول بحيث بدون هذه الموافقة تبقى توصياته حبرا على ورق.
[9] -وهكذا جاء في حكم للمحكمة الإدارية بمراكش صادر بتاريخ 19 مايو 1999"وحيث إن دور السلطة المحلية بشأن تأسيس الجمعيات يقتصر على تسليم وصل الإيداع و لا يحق لها أن ترفض تسليم هذا الوصل بدعوى خرق أي مقتضى قانوني ،وذلك لان القضاء طبقا للفصل السابع من ظهير تأسيس الجمعيات هو الذي يقرر حل الجمعية وإعلان حلة البطلان والأمر بإغلاق الأماكن ومنع كل اجتماع لأعضاء الجمعية ."حكم عدد64 مذكور عند،أحمد بوعشيق،الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية،الجزء الثاني،منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد16،ط/2/2004ص135.