الاثنين، 26 ديسمبر 2016

المحاكم الإقتصادية في التشريع المصري بين التخصص في الاطار القانوني والتنظيم القضائي
بقلم:د.tarik zio
إدا كان إحداث محاكم متخصصة في كل تشريع قانوني يصب بدرجة أولى في إطار التخصص في القضايا بحسب نوعيتها لضمان البت فيها بشكل أمثل وملائم لخصوصياتها من حيث قواعد الشكل الإجرائية أو قواعد الحكم الموضوعية لتحقيق النجاعة القضائية، فإن الأمر أصبح يشغل كاهل المسؤولين في التشريع والتدبير للقوانين في جل الدول خاصة منها العربية ومنها القانون المصري، ولعل تجربة المحاكم الاقتصادية تثير التساؤل عن مدى التنظيم القانوني الفعال الذي يحكمها ومدى اتساع اختصاصاتها وحدود تنظيمها القضائي وتخصص القضاة فيها، جلها أسئلة تتمحور في عنصرين الإطار القانوني والتنظيم القضائي للمحاكم الاقتصادية في التشريع المصري.
المطلب الأول:التنظيم القانوني للمحكمة الاقتصادية في القانون المصري
لعل القول أن المحكمة الاقتصادية من المحاكم المتخصصة نوعيا وقيميا في القضايا التي تبت فيها يجعل الحديث قائما عن تجربة القانون المصري في نهجه لها من حيث تنطيمه لها قانونيا ومن حيث اختصاصاتها.
الفقرة الأولى:الإطار القانوني للمحاكم الاقتصادية في القانون المصري
أولا: القانون المصري المنظم للمحكمة الاقتصادية 
 تعتبر المحكمة الاقتصادية نوع من المحاكم المتخصصة تختص نوعيا ومكانيا بقوانين محددة وقد تم إحداثها في مصر بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الخاص بإنشاء المحاكم الاقتصادية ونُشر هذا القانون بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 مايو 2008  وهو التشريع الذي يحدد اختصاصاتها وتشكيلها ، كما ينظم كافة المسائل المتعلقة بها ، وتم العمل بهذا القانون اعتبارا من الأول من أكتوبر سنة 2008 ، وتم تعيين مقر محكمة الاسكندرية الإقتصادية بموجب قرار السيد وزير العدل رقم 8603 لسنة 2008 والخاص بتحديد مقار المحاكم الإقتصادية على مستوى الجمهورية .
حيث ينص القانون120 لسنة2008 على إنشاء محكمة اقتصادية في دائرة محكمة الاستئناف، وهي محكمة تتميز بالمرونة والسرعة والتبسيط، وهي مستقلة بتكوينها وبقواعدها واجراءاتها واختصاصاتها.
وتم إنشاء 8 محاكم اقتصادية في القاهرة والاسكندرية والمنصورة والاسماعيلية وبني سويف واسيوط وقنا وطنطا وتم اختيار المستشارين بمعايير دقيقة اهمها معيار التخصص.
فالمحكمة الاقتصادية تختص بالمنازعات التي يتطلب الحكم فيها تطبيق احكام 17 قانونا من القوانين المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، وادارة وحماية الاقتصاد المصري، وأيضا المتعلقة بالتجارة الداخلية والخارجية. وبالتالي فإنه يلزم للقاضي أن يكون على دراية كاملة بأحكام هذه القوانين وفنون تطبيقها لذلك قامت وزارة العدل بتدريب القضاة علي اعمال المحاكم الاقتصادية، وتم ارسالهم في دورات تدريبية إلى الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية التشيك وايطاليا وبلدان اخرى.
ثانيا: طبيعة القضايا التي تختص فيها المحاكم الاقتصادية
  تختص المحكمة الاقتصادية بالجانب الاقتصادي والجنائي، خلال نظر الدعاوي المرفوعة أمامها والناشئة عن تطبيق القوانين المتعلقة بجرائم الإفلاس والإشراف والرقابة علي التأمين والشركات المساهمة والشركات المحدودة وسوق المال والتأجير التمويلي والإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية والتمويل العقاري وحماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية وحماية حقوق الملكية الفكرية والبنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد والشركات العاملة في مجال تلقي الأموال وحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك وتنظيم الاتصالات وتنظيم التوقيع الالكتروني.
حيث تعد المحاكم الاقتصادية محاكم جنائية ذات اختصاص خاص، يتقيد اختصاصها بالجرائم الناشئة عن القوانين الاقتصادية لذلك تختص بالجرائم الاقتصادية في الجانب الجنائي والجانب المدني المتعلق بها وعلي سبيل المثال مخالفة احكام قانون شركات المساهمة له جزاء جنائي وقد يرتب آثار من شأنها أن تكون محلا للدعوى المدنية التابعة
وتقوم الدائرة التي تنظر الدعوي بنظر الشق الجنائي والمدني والاقتصادي والتجاري في نفس الوقت بدلا من تحويل الشق الجنائي إلى محكمة الجنايات والشق المدني للمحكمة المختصة.
الفقرة الثانيةإختصاصات المحاكم الإقتصادية في القانون المصري
أولا: الإختصاص النوعي والقيمي للمحاكم الاقتصادية في القانون المصري
نظم المشرع المصري قواعد الإختصاص النوعي والقيمي للمحاكم الاقتصادية وفقا لأحكام المادتين الرابعة والسادسة من قانون 120 لسنة 2008 بشأن المحاكم الإقتصادية وذلك على النحو التالي : 
-          المادة‏(4)‏
"تختص الدوائر الإبتدائية و الإستئنافية بالمحاكم الاقتصادية ، دون غيرها ، بنظر الدعاوي الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين الاتية‏:-
1-              قانون العقوبات في شأن جرائم التفالس.
2-             قانون الإشراف والرقابة على التأمين في مصر.
3-             قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة .
4-             قانون سوق رأس المال‏.‏
5-             قانون ضمانات وحوافز الإستثمار.
6-             قانون التأجير التمويلي‏.‏
7-             قانون الايداع والقيد المركزي للأوراق المالية‏.
8-             قانون التمويل العقاري‏.
9-             قانون حماية الملكية الفكرية‏.‏
10-        قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد‏.
11-        قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لإستثمارها‏.
12-        قانون التجارة في شأن جرائم الصلخ الواقي من الإفلاس.
13-         قانون حماية الإقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
14-        قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية.
15-        قانون حماية المستهلك.
16-        قانون تنظيم الإتصالات.
17-        قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات". 

-          المادة (6) 
"فيما عدا المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة ، تختص الدوائر الدوائر الإبتدائية ، دون غيرها بنظر المنازعات والدعاوي التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق القوانين الآتية‏:‏
1-             قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لإستثمارها‏.
2-             قانون سوق رأس المال ‏.‏
3-             قانون ضمانات وحوافز الإستثمار.
4-             قانون التأجير التمويلي.
5-             قانون حماية الإقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
6-             قانون التجارة في شأن نقل التكنولوجيا والوكالة التجارية وعمليات البنوك والإفلاس والصلح الواقي منه.
7-             قانون التمويل العقاري‏.‏
8-             قانون حماية الملكية الفكرية‏.
9-              قانون تنظيم الإتصالات.
10-        قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.
11-        قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية.
12-        قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة.
13-        قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
وتختص الدوائر الإستئنافية في المحاكم الإقتصادية دون غيرها ، بالنظر ابتداء في كافة المنازعات والدعاوى المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة".
ثانيا: مدى اعتبار الإختصاص النوعي والقيمي للمحاكم الاقتصادية من النظام العام
إن المشرع المصري بإحداثه للمحاكم الاقتصادية كان أكثر جرءة  بتصنيفه لهذه المحاكم في إطار محاكم اقتصادية متخصصة يشمل مجال اختصاصاتها العديد من القضايا الاقتصادية سيرا على نهج بعض التشريعات المتقدمة وإن كان بعضها أجهض ميلاد الفكرة بإنشاء محاكم متخصصة ومستقلة وتراجع عنها والبعض الاخر لا زال يتوجه نحو التخصص
فيها والتساؤل المطروح هل يعتبر الاختصاص المخول للمحاكم الاقتصادية نوعيا من النظام العام؟
في البداية لابد من الإشارة أن المراد بالنظام العام المقصود منه بالتحديد النظام العام الاقتصادي المصري لأن النظام العام يتطور مع الزمان ويختلف من مكان إلى مكان ومن دولة لدولة فما قد يعتبر من النظام العام المصري قد لا يعد من النظام العام المغربي أو المقارن غير أن ما قد يجمعهم هي فكرة المصلحة العليا أو المصلحة العامة حسب كل دولة والتي تنطوي في ظلها مجموع القواعد الملزمة والآمرة التي تهدف لحماية المصلحة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية والفكرية لكل دولة و...، باعتبارها تشكل المصلحة العامة التي تسموا عن المصالح الخاصة للأفراد .
بالرجوع للمادة ‏(4)‏ من القانون المتعلق بإنشاء المحاكم الاقتصادية يتضح أن المشرع المصري جعل قواعد الاختصاص النوعي للمحاكم الاقتصادية من النظام العام، ويستشف ذلك ضمنيا من مفاذ العبارة التي استعملها المشرع المصري في المادة المذكورة، حيث نص "تختص الدوائر ... بالمحاكم الاقتصادية ، دون غيرها ، بنظر الدعاوي الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين الاتية...".
وبالتالي فاختصاص المحاكم الاقتصادية نوعيا من النظام العام، فلا يمكن لباقي الهيئات القضائية في التنظيم القضائي المصري البت في أحد القضايا التي تختص فيها نوعيا المحاكم الاقتصادية في إطار الاختصاص القيمي المخول لها.

المطلب الثاني: الإطار القضائي للمحاكم الاقتصادية في القانون المصري
إدا كانت المحكمة الاقتصادية من المحاكم المتخصصة التي يشمل اختصاصها مجموعة من المجالات الاقتصادية والتي كان موفقا المشرع المصري بتسميته لها بخلاف التسمية التي أعطتها لها بعض التشريعات المقارنة والتي تجعلها كما لو تضيق من اختصاصها بشكل لا يتلائم مع القضايا الاقتصادية الحديثة العهد ، فالتساؤل هنا هل كان موفقا المشرع المصري حتى في الجانب المتعلق بالتنظيم القضائي  للمحاكم الاقتصادية.

الفقرة الأولى: التنظيم القضائي للمحاكم الاقتصادية في مصر
أولا:تشكيل المحاكم الاقتصادية في التنظيم القضائي المصري
تنص المادة 1 من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية بأنه: "تنشأ بدائرة اختصاص كل محكمة استئناف محكمة تسمى " المحكمة الاقتصادية " يندب لرئاستها رئيس بمحاكم الاستئناف لمدة سنة قابلة للتجديد بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى ، ويكون قضاتها من بين قضاة المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف يصدر باختيارهم قرار من مجلس القضاء الأعلى .
وتتشكل المحكمة الاقتصادية من دوائر ابتدائية ودوائر استئنافية ، ويصدر بتعيين مقار هذه الدوائر قرار من وزير العدل بعد أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى .
وتنعقد الدوائر الابتدائية والاستئنافية المنصوص عليها فى الفقرة السابقة فى مقار المحاكم الاقتصادية ، ويجوز أن تنعقد ، عند الضرورة ، فى أى مكان أخر وذلك بقرار من وزير العدل بناء على طلب رئيس المحكمة الاقتصادية". 
ثانيا:تشكيل الهيئة القضائية في المحاكم الاقتصادية 
بمقتضى المادة 2 من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية  تتشكل كل دائرة من الدوائر الابتدائية الاقتصادية من ثلاثة من الرؤساء بالمحاكم الابتدائية.
 وتتشكل كل دائرة من الدوائر الاستئنافية من ثلاثة من قضاة محاكم الاستئناف يكون أحدهم على الأقل بدرجة رئيس بمحكمة الاستئناف
وبالرجوع للمادة 3 من نفس القانون تعين الجمعية العامة للمحكمة الاقتصادية فى بداية كل عام قضائي ، قاضيا أو أكثر من قضاتها بدرجة رئيس بالمحاكم الابتدائية من الفئة (أ) على الأقل ، ليحكم ، بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بأصل الحق ، فى المسائل المستعجلة التى يخشى عليها من فوات الوقت والتى تختص بها تلك المحكمة .
ويصدر القاضى المشار إليه فى الفقرة الأولى الأوامر على عرائض والأوامر الوقتية ، وذلك فى المسائل التى تختص بها المحكمة الاقتصادية .
 كما يصدر ، وأيا كانت قيمة الحق محل الطلب ، أوامر الأداء فى تلك المسائل ، وفى حالة امتناعه يحدد جلسة لنظر الدعوى أمام إحدى الدوائر الابتدائية أو الاستئنافية بالمحكمة بحسب الأحوال.

الفقرة الثانية: موقف الفقه القانوني المصري من التنظيم القضائي للمحكمة الاقتصادي
يتبين من التنظيم القضائي المصري تواجد ثمانية محاكم استئنافية، والمادة الأولى من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية تنص على إنشاء دائرة اختصاص بكل محكمه تُسمى محكمة اقتصادية يرأسها عدد من القضاة، ويقوم وزير العدل بانتدابهم لمدة سنة قابلة للتجديد. 
واختلف الفقه القانوني المصري إبان عرض مشروع قانون إنشاء المحاكم الاقتصاديةعلى اللجنة التشريعية بمجلس الشعب خلال اجتماعها برئاسة الدكتور فتحى سرور رئيس المجلس أنذاك، وخلص حينها ليحدد اقتصار مهام المحكمة الاقتصادية على الدور التنظيمى فقط، محذراً من تعارض القانون مع اختصاص مجلس الدولة.
الاتجاه الأول:يؤيد إنشاءالمحاكم الاقتصادية في إطار تنظيم قضائي مستقل عن المحاكم العادية 
الاتجاه الثاني:يعارض موقف إنشاء المحاكم الاقتصادية ويرى الاكتفاء بإنشاء دوائر متخصصة في إطار التنظيم القضائي
ونرى أن الاكتفاء بإنشاء دوائر متخصصة داخل التنظيم القضائي المصري من شأنه تلافي تداخل الاختصاصات من جهة والتخفيف من عبء الجمهورية المصرية في نفقاتها عن مرفق القضاء من جهة ثانية إدا علمنا أن تواجد محاكم استئناف تضم محاكم ابتدائية عدة وتواجد محاكم اقتصادية تضم دوائر ابتدائية واستئنافية يتطلب نفقات مهمة، إضافة لكون أمر تخصص القضاة أصبح جد مطروح ليس فقط في ظل التنظيم القضائي المصري بل حتى في التنظيم القضائي المغربي ذلك أن السير في إطار المحاكم المتخصصة والمحاكم المصنفة في التنظيم القضائي المغربي والمصري أمر يفرض ضرورة ملائمة هذا التوجه مع تكوين القضاة واختصاصهم حتى يتسنى لنا السير في منهج التخصص الدقيق بحسب طبيعةالقضايا.
وتبقى تجربة مصر الشقيقة في نهج أسلوب المحاكم المتخصصة وبالتحديد إحداثها للمحاكم الاقتصادية تجربة ناجحة رغم بعض المعيقات التي تواجههاغير أنها لحد الآن أبانت عن دورها الفعال في البت في الجرائم الاقتصادية والتي تدخل في إطارها مجموعة من الجرائم التي تمس بالنظام العام الاقتصادي في كل محتوياته وجوانبه في الجانب المتعلق بالتجارة والشركات التجارية والمعاملات المالية والمصرفية البنكية والتامينيات وحقوق الملكية وغيرها...
وفي انتظار أن تحدوا دول عربية أخرى حدوا المشرع المصري ومنها التشريع المغربي الذي ما زال يحتفظ بقواعد القانون الجنائي العام إلى جانب بعض القواعد الخاصة الواردة في نصوص خاصة مشتتة في إطارحماية الجانب المتعلق بميدان المال والاعمال او ما يعرف بالقانون الجنائي للاعمال الحديث العهد في إطار تسميته ، ومع انتظار إحداث محاكم اقتصادية متخصصة في هذا الإطار أو على الأقل غرف متخصصة للجرائم الاقتصادية داخل المحاكم العادية بدل الاكتفاء بدور المحاكم العادية في إطار الحد من الجرائم الاقتصادية التي أصبحت تتطور بشكل مخيف أمام استعمال التقنيات الحديثة لوسائل الاتصال عن بعد والتجارة الالكترونية.


الأحد، 11 ديسمبر 2016

حجية  الكتابة الإلكترونية في إثبات التصرفات المقيدة بمبدأ الشكلية الكتابية
ذ.طارق zio

مقدمة:
إدا كانت الوثيقة الالكترونية سارت لها نفس الحجية القانونية التي تكتسيها الوثيقة التقليدة العرفية أو الرسمية، فإن هذه الحجية المعترف بها قانونا للوثيقة الالكترونية مقيدة فالتشريعات الوطنية والدولية حددت  التصرفات المستثناة من نطاق الاعتداد بالكتابة الإلكترونية والمحررات الإلكترونية في إطار تقنينها لنظام الاثبات الإلكتروني، استثناء جملة من التصرفات القانونية من أن تبرم بشكل إلكتروني وذلك لعدة اعتبارات من أهمها أهمية و خطورة بعض التصرفات كرهن السفينة و الحقوق الواردة على العقار بصفة عامة من جهة ،  وعدم اتصال بعض التصرفات بالمعاملات التجارية الإلكترونية كونها تصرفات شخصية أو مدنية محضة من جهة أخرى كالزواج و الهبة و الوصية..
-غير أن التساؤل المطروح مدى حدود حجية الوثيقة الالكتررونية في في إثبات التصرفات المقيدة بمبدأ الشكلية الكتابية إدا علمنا أن بعض التصرفات قيدتها التشريعات الوطنية بمبدأ الشكلية الخاصة بالإثبات؟
وما موقف المشرع المغربي من المسألة موازاة مع التشريعات المقارنة؟ وما موقف الفقه القانوني المغربي والمقارن من أجل إعطاء الوثيقة الالكترونية حجية قوية تتناسب مع الدور الذي أصبحت تلعبه المحررات الالكترونية في كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟.
 المطلب الأول: تقييد  حجية الكتابة الإلكترونية في الاثبات في التشريعات الوطنية والدولية
لتحديد حدود حجية الاثبات بالوثيقة الالكترونية في التشريعات الوطنية والدولية لابد أولا من التمييز بين الكتابة الشكلية للإنعقاد والكتابة المطلوبة للإثبات والتعرض للتشريعات التي قيدت من الحجية القانونية للوثيقة الالكترونية في بعض التصرفات لأهميتهما وطبيعتها.
 الفقرة الأولى : التمييز بين الكتابة الشكلية للإنعقاد والكتابة المطلوبة للإثبات
يجب التمييز بين الكتابة الشكلية والكتابة المطلوبة للإثبات، فالكتابة اللازمة للانعقاد شرط ضروري لوجود العقد قانونا، و تخلف الشكل يعني نقص ركن من أركانه وانعدام أثره نتيجة لبطلانه، مهما قام الدليل على اتجاه ارادة الأطراف إليه، ومهما اعترف باتفاقهما المجرد من الشكل . فالكتابة هنا تعتبر شرطا شكليا لابرام العقد و بالتالي فالعقد لا يقوم إلا إذا ورد الرضاء به في الشكل المتطلب قانونا و الشكل هنا هو الكتابة . أما الكتابة المطلوبة للإثبات فلا أثر لانعدامها على وجود العقد، فالعقد ينشأ ويوجد و ينتج آثاره . فإذا كان معترفا به من طرفيه لم يكن في حاجة إلى إثباته بالكتابة، كما أن الاقرار يحل محل الدليل الكتابي في هذا الإثبات كما يمكن اثباته بالالتجاء إلى اليمين الحاسمة . وقد يتفق شخصين على ضرورة الكتابة في إبرام عقودهما، فإذا لم يظهر من شروط هذا الاتفاق أنهما علقا التزامهما بالعقد على إتمام الكتابة، يفترض أن هذه الكتابة يقصد بها أن تكون وسيلة للإثبات لا كتابة شكلية، وذلك أخذا بالاصل و القاعدة في انعقاد العقود، وهو رضائيتهما.

الفقرة الثانية: التشريعات التي نصت على استثناء بعض التصرفات من حجية الاثبات الالكتروني:
 أولا: التشريعات الدولية
أجازة المادة التاسعة من التوجيه الأوربي الصادر في 8 يونيو 2000 للدول الأعضاء أن يستثنوا بعض التصرفات من العقود الإلكترونية بحيث نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه " يجوز للدول الأعضاء أن تنص على أن الفقرة الأولى لا تطبق على كل أو بعض العقود التي تأتي في ضمن تلك الأنواع الآتية:
أ-العقود التي تنشئ أو تحيل حقوقا على العقارات، باستثناء حقوق الايجار .
ب-العقود التي تتطلب بحكم القانون تدخلا من المحاكم والسلطات العامة أو المهن التي تمارس سلطة عامة .
ج-عقود الكفالة و القروض المقدمة من أشخاص للتصرف فيها لأغراض غير أغراض التجارة أو الاعمال أو المهن .
د-العقود التي يحكمها قانون الاسرة أو قانون الميراث ."
ثانيا: التشريعات الوطنية
1-      موقف بعض التشريعات المقارنة
القانون الفرنسي: استثنى المشرع الفرنسي في المادة 1108-2 من القانون المدني والمعدلة بالقانون رقم 575 لسنة 2004 بعض التصرفات القانونية وأخرجها من نطاق المحررات والكتابة الإلكترونية، وفضل إبرامها بشكل تقليدي.
والتصرفات القانونية التي لا يجوز إبرامها في شكل إلكتروني :
-التصرفات القانونية على أوراق عرفية المتعلقة بقانون الأسرة و المواريث .
-التصرفات القانونية على أوراق عرفية المتعلقة بالتأمينات الشخصية أو العينية سواء كانت ذات طبيعة مدنية أو تجارية، إلا إذا كانت قد أبرمت بواسطة شخص لحاجات مهنية ."
قانون إمارة دبي: استثنت الفقرة الأولى من المادة الخامسة من قانون إمارة دبي للمعاملات والتجارة الإلكترونية رقم 2 لسنة 2002 بعض التصرفات القانونية من المعاملات الإلكترونية بحيث نصت المادة المذكورة على أنه " يسري هذا القانون على السجلات و التواقيع الإلكترونية ذات العلاقة بالمعاملات و التجارة الإلكترونية، ويستثنى من أحكام هذا القانون ما يلي :
أ-المعاملات والأمور المتعلقة بالاحوال الشخصية كالزواج والطلاق والوصايا.
ب-سندات ملكية الأموال غير المنقولة .
ج-السندات القابلة للتداول .
د-المعاملات التي تتعلق ببيع و شراء الأموال المنقولة و التصرف فيها و تأجيرها لمدد تزيد على عشر سنوات و تسجيل أية حقوق أخرى متعلقة بها .
ه-أي مستند يتطلب القانون تصديقه أمام الكاتب العدل ."


2-      موقف التشريع المغربي
استثنت المادة الثانية من القانون 05/53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية بعض التصرفات القانونية من الخضوع لأحكام هذا القانون بحيث جاء فيها " غير أن الوثائق المتعلقة بتطبيق احكام مدونة الأسرة و المحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية، ذات الطابع المدني أو التجاري لا تخضع لحكام هذا القانون، ما عدا المحررات المنجزة من لدن شخص لأغراض مهنته ." وفي إطار التعليق على هذا الاستثناء الذي نصت عليه هذه المادة يرى البعض – ونتفق معه- بأن قضايا الحالة المدنية، والزواج ، والطلاق ، و الارث، و النسب، وكل ما يتعلق بالأحوال الشخصية، لها ارتباط وثيق بأحكام الشريعة الاسلامية وأعراف المجتمع، وبالتالي فهي من صميم النظام العام، وعلى سبيل المثال فإن عقد الزواج وما يشترط لصحته من صدور الايجاب من الخاطب وصدور القبول من المخطوبة بالاضافة الى حضور العدل والشاهدين والولي وبالنظر إلى قدسية هذا الميثاق الغليظ ومنزلته في نفوس الناس فإن كل ذلك يحول دون إبرامه بالوسائل الإلكترونية .وبالنسبة للضمانات العينية أو الشخصية فإنها غالبا ما تنصب على عقود تنطوي على نوع من الخطورة لتعلقها بالأموال أو بقيمتها أو بمدة العقد التي قد تكون لفترة طويلة، والتي تستلزم التفاوض المباشر في مجلس العقد. وبالتالي فحماية للطرف الضعيف والذي قد يصدر منه رضا في غير محله بسبب سرعة التعاقد ودون أن يأخذ ما يكفيه من الوقت للتفكير للتعبير عن رضا مستنير و سليم ، كل ذلك جعل المشرع المغربي يستثني هذه الأنواع من العقود من أن تبرم بطريق إلكتروني .في مقابل هذه التشريعات وغيرها التي ذهبت إلى استثناء بعض التصرفات من الشكلية الإلكترونية، ذهب البعض إلى أنه لا مفر لهذه الشكلية الإلكترونية وأنه يجوز أن تبرم كافة العقود إلكترونيا ولو كانت عقودا شكلية، ويبرر رأيه بأن مهنة خدمات التصديق الإلكترونية كفيلة بالوفاء بهذا الغرض لأن مقدم خدمات التصديق هو شخص محايد ومستقل وموثوق به، ودوره بالأساس إثبات مضمون المستندات والعقود الإلكترونية و توثيقها.
المطلب الثاني: مدى إمكانية الكتابة الإلكترونية تحقيق الشكلية المتطلبة في  اثبات التصرفات القانونية المقيدة
إدا كانت التشريعات المنظمة للإثبات الإلكتروني اتفقت حول حجية  الكتابة الإلكترونية إسوة بالكتابة التقليدية في الاثبات القانوني، فإن الخلاف لا يزال قائم حول إمكانية الكتابة الإلكترونية من تحقيق الشكلية التي تطلبها القانون في بعض أنواع التصرفات القانونية المقيدة  والتي أثبت الكتابة التقليدية قدرتها على تجسيدها، فهل يمكن للكتابة الإلكترونية أن تحل محل الكتابة التقليدية لاستيفاء الشكل المطلوب قانونا أو اتفاقا؟
الاجابة على هذا التساؤل يتطلب منا الركون لموقف الفقه القانوني المغربي والمقارن وموقف التشريع وهي مواقف لم تتحد على رأي واحد بخصوص الجواب على هذا التساؤل وهو ما سنحاول التعرض له في فقرتين الأولى نتناول فيها المواقف المتباينة للفقه القانوني من المسألة، وفي الفقرة الثانية نعرض لموقف التشريعات الوطنية والدولية ومدى اختلافها في التعرض للمسألة.
الفقرة الأولى:موقف الفقه القانوني إزاء مدى إمكانية اعتبار الكتابة الإلكترونية ركنا للإنعقاد:
اختلف الفقه القانوني في المسألةإلى فريقين، أولهما يعتبر أن للكتابة الإلكترونية دورا وحيدا يتمثل في الاثبات فقط، والفريق الثاني يرى بأنه الكتابة الإلكترونية قادرة على  إثبات التصرف كما أنها قادرة أيضا على أن تكون ركنا فيه:
أولا: الاتجاه الأول القائل بأن الكتابة الإلكترونية صالحة للإثبات فقط
اختلفت تبريراته بين من يرى بأن الكتابة الإلكترونية قاصرة على مجال الاثبات فقط لأن المشرع نظم حجيتها عموما في مجال الاثبات، وأجاز قبولها ، بشروط اعتبارها دليلا للإثبات لا غير ، في حين البعض الآخر من هذا الاتجاه استند في اعتباره الكتابة الإلكترونية وسيلة من وسائل الاثبات و ليست ركنا من أركان التصرف القانوني على أساس أن الدور الذي تلعبه الكتابة التقليدية حينما تكون ركنا من أركان التصرف القانوني لا يمكن أن تلعبه الكتابة الإلكترونية، إذ إن هذا الدور يتركز في حماية الطرف الضعيف في هذه التصرفات القانونية من أن يتعرض لأي ضغط يشوبه، و لاسيما أن التصرفات الشكلية التي تعتبر الكتابة ركنا من أركانها عادة ما تنطوي على خسارة، أو عدم تعادل بين الأداءات المتقابلة بين أطراف هذه التصرفات، كعقد هبة العقار وعقد الرهن الرسمي ولذلك يتطلب القانون لإتمامها تحريرها على ورقة رسمية بواسطة موظف مختص، رغبة من المشرع في تنبيه الواهب أو الراهن إلى خطورة التصرف الذي يقدم عليه، وكي يتحقق من صحة رضاء أطراف هذه التصرفات ، وهو ما لا يمكن أن تحققه الكتابة الإلكترونية، التي تتميز بالسرية في بعض الأحيان والسرعة في أحيان أخرى، وعدم معرفة أطراف التعاقد بعضهم ببعض في احيان كثيرة.
ثانيا: الاتجاه الثاني القائل بصلاحية الكتابة الإلكترونية للإثبات والانعقاد
يرى أنصار هذا الاتجاه بأن الكتابة الإلكترونية لا تقتصر على دور الاثبات، وإنما تصلح أيضا للقيام بدور الكتابة اللازمة لانعقاد التصرف القانوني وقد برر هذا الجانب موقفه بعدة تبريرات منها أنه إذا كانت الكتابة الإلكترونية قد أصبح معترفا بها من طرف التشريعات وأصبح لها ذات الحجية المقررة للكتابة التقليدية، فإنه ليس هناك ما يمنع قانونا من استيفاء الشكل الذي يتطلبه القانون لإبرام عقد ما أو تسجيله أو الاحتجاج به في مواجهة الغير من خلال الكتابة الإلكترونية طالما أنها تؤدي الغرض الذي من أجله قرر المشرع أو الاطراف شكلا معينا. غير أنه إذا ما تطلب المشرع الكتابة الخطية أو التوقيع اليدوي، فعندئذ يصعب استيفاء مثل هذا الشكل عن طريق الكتابة الإلكترونية، وتكون الكتابة التقليدية هي الطريق الوحيد لاستيفاء مثل هذا الشكل . و يترتب على ذلك أن العقود التي يتطلب فيها المشرع شكلا من هذا القبيل يصعب قانونا إبرامها عن بعد بالطريق الإلكتروني، لكنها صعوبة عملية و ليست قانونية باعتبار أن القانون قد أضفى ذات الحجية على المستند الإلكتروني والمستند التقليدي من حيث الكتابة والتوقيع.
واستند البعض إلى أن المشرع الفرنسي عندما عرف الكتابة في المادة 1316 من القانون 230 لسنة 2000 بأنها تتابع للحروف أو العلامات أو الارقام أو أي رمز أو إشارة أخرى ذات دلالة مفهومة، أيا كانت دعامتها أو شكل إرسالها، فإنه عرفها بشكل موسع لا يجعلها قاصرة على الإثبات وإنما لانعقاد التصرف أيضا، متى تطلب القانون وجوب الكتابة، بالإضافة إلى أن هذا التعريف هو الوحيد الذي عرف الكتابة فهو تعريف عاما وموحدا للكتابة المتطلبة للاثبات والكتابة المتطلبة للانعقاد .
الفقرة الثانية:موقف التشريعات الوطنية والدولية  إزاء مدى إمكانية تحقيق الكتابة الإلكتروني للشكلية:
 تباينت واختلفت مواقف التشريعات بشأن مدى إمكانية تحقيق الكتابة الإلكترونية للشكلية المتطلبة لإنعقاد بعض التصرفات المقيدة، وسنحاول التعرض لأهم التشريعات التي تعرضت للمسألة.
أولا: موقف التشريعات الدولية المقارنة
-موقف القانون الفرنسي:
لم ينظم المشرع الفرنسي في القانون  رقم 230 لسنة 2000 مسألة شكلية الكتابة الإلكترونية، وجاء بعد ذلك التوجيه الأوربي للتجارة الإلكترونية الصادر في 8 يونيو 2000 ونظم هذه المسألة بالنص عليها في المادة التاسعة بالقول" يجب على الدول الأعضاء أن تضمن أن أنظمتها القانونية تقر بالعقود المبرمة بوسائل إلكترونية، وعلى الدول الأعضاء على وجه الخصوص ضمان أن الاشتراطات القانونية المطبقة على عملية التعاقد لا تضع عقبات أمام استخدام العقود الإلكترونية، وألا تؤدي الى حرمان مثل تلك العقود من قيمتها القانونية أو صحتها لمجرد أنها أبرمت في شكل الكتروني ".
وبعد ذلك أصبح المشرع الفرنسي ملزما بإدخال الأحكام التي تضمنتها المادة التاسعة من التوجيه الأوربي في القوانين واللوائح المتعلقة بالأحكام، فصدر القانون 575 لسنة 2004 و الخاص بالثقة في الاقتصاد الرقمي، والقرار الوزاري الصادر عن وزير العدل برقم 674 لسنة 2005 والمتعلق بتحقيق الشكليات التعاقدية بالوسائل الإلكترونية .
وبالرجوع لمقتضى  المادة 1108-1 من القانون المدني و المعدلة بالقانون 575-2004 نجدها  تنص على أنه " حينما تكون الكتابة متطلبة لصحة التصرف القانوني، فإن هذا التصرف يمكن إنشاؤه أو حفظه في شكل إلكتروني وفقا للشروط المنصوص عليها في المادتين 1316-1 و 1316-4 ".
فجاءت العبارة كالآتي:
 Article 1108-1 " lorsqu' un écrit est exigé pour la validité d'un acte juridique, il peut etre etabli et conservé sous forme électronique dans les conditions prévues aux articles 1316-1 et 1316-4"     
وفي الفقرة الثانية من ذات المادة السابقة نص على أن " عندما يشترط في بيان معين أن يكتب بخط يد الذي يقع عليه الالتزام، فإن هذا الأخير يمكن له أن يضع هذا البيان في شكل إلكتروني إذا ما توافرت الشروط التي تكفل بطبيعتها أن هذا البيان لا يمكن أن يصدر من خلال الملتزم نفسه "                                     
  Article 1108-II «   Lorsqu' est exigée une mention écrite de la main même de celui qui s'oblige, ce dernier peut l'opposer sous forme électronique si les conditions de cette apposition sont de nature garantir qu’elle ne peut être effectuée que par lui-même »
        أما المادة 1369-10 من القانون المدني و المعدلة بالقرار 674-2004 فقد نصت على أنه " حينما تكون الكتابة على الورق خاضعة لشروط خاصة من حيث إمكانية قراءتها أو تقديمها، فإن الكتابة في الشكل الإلكتروني يجب أن تستوفي ذات الشرط ".
 Article 10-1369 “   Lorsque l'ecrit sur papier est soumis à des conditions particuliers de lisibilité ou de présentation , l'écrit sous forme électronique doit répondre à des exigences équivalents"                                                             
Article “  L'exigence d'un formulaire détachable est satisfaite par un procédé électronique qui permet d'accéder au formulaire et de le renvoyer par la même voie ".
وإذا اشترط و جود صيغة منفصلة، فانه يمكن ان تستوفي من خلال اجراءات الكترونية تسمح بالدخول الى تلك الصيغة و ارسالها بواسطة ذات الوسيلة ".
Article “  L'exigence d'un formulaire détachable est satisfaite par un procédé électronique qui permet d'accéder au formulaire et de le renvoyer par la même voie ".
وكذا نصت المادة 1369-11 على انه " عندما يشترط ارسال عدة نسخ ، فإن ذلك يمكن استيفاؤه من خلال الكتابة الإلكترونية ، إذا كانت تلك الكتابة يمكن طباعتها من قبل المرسل إليه ".
Article 11-1369  "L'exigence d'un envoi  en plusieurs exemplaires est réputée satisfaite sous forme électronique si l'écrit peut être imprimé par le destinataire "                     
ومن خلال ما سبق يتضح أن الفقه الفرنسي كان محقا عندما أحال إلى أن القانون المدني قد سمح باستخدام المتطلبات الشكلية مع العقود الإلكترونية وذلك من خلال أمرين : الأول تطويع القواعد المنظمة للشكلية لتتوافق مع العقود الإلكترونية، وثانيا: إنشاء قدر معين من التكافؤ و المساواة بين العقود الورقية و العقود الإلكترونية، وهو ما عبر عنه للمزيد من التوضيح:
Matringe (M.P) le nouveau régime des contrats électroniques, Art, disponible sur, http://www.droit-ntic.com
-موقف القانون المصري:
 نظم المشرع المصري  الاثبات بالحجة الالكترونية من قانون التوقيع الإلكتروني من خلال المادة 15 منه حيث نصت على أنه " للكتابة الإلكترونية و للمحررات الإلكترونية، في نطاق المعاملات المدنية و التجارية و الإدارية ، ذات الحجية المقررة للكتابة و المحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الاثبات في المواد المدنية والتجارية، متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقا للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون ".
و يذهب البعض من الفقه القانوني المصري الى أن المشرع المصري من خلال  التنصيص أعلاه لم يحدد ما إذا كانت الكتابة الإلكترونية صالحة للإثبات وللانعقاد وهو موقف محمد محمد سادات ، لكنه وبسبب قصر النص على أحكام الاثبات في المواد المدنية والتجارية فذلك التحديد التشريعي يفيد صراحة اقتصار الكتابة الإلكترونية على الاثبات فقط دون الانعقاد ،  وهو الموقف المعبرعنه من اسامة أبو الحسن مجاهد في كتابه الوسيط في قانون المعاملات الإلكترونية وفقا لأحداث التشريعات في فرنسا ومصر ودبي والبحرين.
ثانيا- موقف التشريع المغربي
نظم القانون 05/53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية  حجية الوثيقة الالكترونية فقد نص الفصل 1-417 منه بأنه " تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية بنفس قوة الاثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق . وتقبل الوثيقة المحررة بشكل الكتروني للإثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف، بصفة قانونية، على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة و محفوظة وفق شروط من شانها ضمان تماميتها ".
والملاحظ أن المشرع المغربي من خلال هذا النص قصر دور الكتابة الإلكترونية على الاثبات، باستعماله عبارة " تقبل الوثيقة المحررة بشكل الكتروني للإثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق" وهو ما يعني معه بأنه لا تصلح كركن لانعقاد التصرف في الحالات التي تطلب فيها القانون شكلية الكتابة  للإنعقاد.
خاتمة:
إدا كانت التشريعات المقارنة وفي مقدمتها  المشرع الفرنسي  يستجيب لطموح توسيع التجارة الإلكترونية ويشجع المتعاملين فيها على ابرام جميع التصرفات القانونية بما في ذلك العقود التي استلزم المشرع الفرنسي الكتابة كشرط لانعقادها بجميع الوسائل المتاحة لهم سواء في إطار الوسائل التقليدية في شكل عقود محررة على وثائق رسمية أو عرفية، أو في إطار الوسائل الحديثة في شكل وثائق محررة على دعامة الكترونية .
يطرح التساؤل ما موقع التشريع المغربي في المسألة  لاسيما وأنه مدعوا لإعادة النظر في ترسانته القانونية ليس فقط بتنظيم التجارة الالكترونية بأحكام خاصة بل بما يخدم اتجاه التوسيع من دائرة الحجية  الكتابية  للوثيقة الإلكترونية خاصة وأنه أصبح معترفا بها من طرف التشريعات وأصبح لها ذات الحجية المقررة للكتابة التقليدية، وليس هناك ما يمنع قانونا من استيفاء الشكل الذي يتطلبه القانون لابرام عقد ما أو تسجيله أو الاحتجاج به في مواجهة الغير من خلال الكتابة الإلكترونية، طالما أنها أصبحت تؤدي الغرض الذي من أجله قرر المشرع أو الأطراف شكلا معينا.
لذلك نشيد بموقف التشريعات المقارنة ما دامت سبقتنا في المسألة ومنها المشرع الفرنسي غير أننا لا يمكن أن نغفل أن  توجه المشرع الفرنسي كان بما يكفل حماية حقوق المتعاملين في مجال التجارة الالكترونية نظرا للترسانة القانونية المهمة التي تنظم مجال المعاملات التجارية الالكترونية وهو ما زلنا لم نصل إليه إدا علمنا أنه ليس لنا قانون خاص بالتجارة الالكترونية، غير أن البحث في القانون المغربي وطرح الاشكالات العميقة و منها  توسع التشريعات المقارنة في مسألة الاتباث الالكتروني بشكل مقنن يضمن به حقوق المتعاملين في هذا المجال، ما يطرح التساؤل عن مسلك المشرع المغربي بخصوص مسألة شكلية الكتابة الإلكترونية وضرورة اتخاذه مسلكا مرنا يتماشى مع الدور الذي أصبحت تحتله الكتابة الإلكترونية في التجارة الإلكترونية وأهيب به أن حدو المشرع الفرنسي بهذا الخصوص ، على أساس أن العالم أصبح يعرف التجارة  الالكترونية التي غزت الدول وأصبحت بلادنا محلا لها خصوصا وأن التعاقد عن بعد وبلا شك سيصبح سمة المعاملات التجارية والتي لابد للمشرع المغربي من تنظيمها وإيجاد حلول للصعوبات التي تطرحها أمام القضاء ومن بينها صعوبات الاثبات بالوسائل التقليدية التي أضحت تعجز عن استيعاب التصرفات الحديثة والتي كانت من الدوافع التي دفعت المشرع المغربي للإعتراف بحجية الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية في انتظار سيره نحو تطوير منظومة الاثبات بالحجة الالكترونية والتوسيع من دائرة اتخادها في كثير من المعاملات التجارية بما يخدم طبيعة الحياة التجارية التي تتسم بحرية الاثبات كأصل عام ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك.