الاثنين، 26 ديسمبر 2016

المحاكم الإقتصادية في التشريع المصري بين التخصص في الاطار القانوني والتنظيم القضائي
بقلم:د.tarik zio
إدا كان إحداث محاكم متخصصة في كل تشريع قانوني يصب بدرجة أولى في إطار التخصص في القضايا بحسب نوعيتها لضمان البت فيها بشكل أمثل وملائم لخصوصياتها من حيث قواعد الشكل الإجرائية أو قواعد الحكم الموضوعية لتحقيق النجاعة القضائية، فإن الأمر أصبح يشغل كاهل المسؤولين في التشريع والتدبير للقوانين في جل الدول خاصة منها العربية ومنها القانون المصري، ولعل تجربة المحاكم الاقتصادية تثير التساؤل عن مدى التنظيم القانوني الفعال الذي يحكمها ومدى اتساع اختصاصاتها وحدود تنظيمها القضائي وتخصص القضاة فيها، جلها أسئلة تتمحور في عنصرين الإطار القانوني والتنظيم القضائي للمحاكم الاقتصادية في التشريع المصري.
المطلب الأول:التنظيم القانوني للمحكمة الاقتصادية في القانون المصري
لعل القول أن المحكمة الاقتصادية من المحاكم المتخصصة نوعيا وقيميا في القضايا التي تبت فيها يجعل الحديث قائما عن تجربة القانون المصري في نهجه لها من حيث تنطيمه لها قانونيا ومن حيث اختصاصاتها.
الفقرة الأولى:الإطار القانوني للمحاكم الاقتصادية في القانون المصري
أولا: القانون المصري المنظم للمحكمة الاقتصادية 
 تعتبر المحكمة الاقتصادية نوع من المحاكم المتخصصة تختص نوعيا ومكانيا بقوانين محددة وقد تم إحداثها في مصر بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الخاص بإنشاء المحاكم الاقتصادية ونُشر هذا القانون بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 مايو 2008  وهو التشريع الذي يحدد اختصاصاتها وتشكيلها ، كما ينظم كافة المسائل المتعلقة بها ، وتم العمل بهذا القانون اعتبارا من الأول من أكتوبر سنة 2008 ، وتم تعيين مقر محكمة الاسكندرية الإقتصادية بموجب قرار السيد وزير العدل رقم 8603 لسنة 2008 والخاص بتحديد مقار المحاكم الإقتصادية على مستوى الجمهورية .
حيث ينص القانون120 لسنة2008 على إنشاء محكمة اقتصادية في دائرة محكمة الاستئناف، وهي محكمة تتميز بالمرونة والسرعة والتبسيط، وهي مستقلة بتكوينها وبقواعدها واجراءاتها واختصاصاتها.
وتم إنشاء 8 محاكم اقتصادية في القاهرة والاسكندرية والمنصورة والاسماعيلية وبني سويف واسيوط وقنا وطنطا وتم اختيار المستشارين بمعايير دقيقة اهمها معيار التخصص.
فالمحكمة الاقتصادية تختص بالمنازعات التي يتطلب الحكم فيها تطبيق احكام 17 قانونا من القوانين المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، وادارة وحماية الاقتصاد المصري، وأيضا المتعلقة بالتجارة الداخلية والخارجية. وبالتالي فإنه يلزم للقاضي أن يكون على دراية كاملة بأحكام هذه القوانين وفنون تطبيقها لذلك قامت وزارة العدل بتدريب القضاة علي اعمال المحاكم الاقتصادية، وتم ارسالهم في دورات تدريبية إلى الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية التشيك وايطاليا وبلدان اخرى.
ثانيا: طبيعة القضايا التي تختص فيها المحاكم الاقتصادية
  تختص المحكمة الاقتصادية بالجانب الاقتصادي والجنائي، خلال نظر الدعاوي المرفوعة أمامها والناشئة عن تطبيق القوانين المتعلقة بجرائم الإفلاس والإشراف والرقابة علي التأمين والشركات المساهمة والشركات المحدودة وسوق المال والتأجير التمويلي والإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية والتمويل العقاري وحماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية وحماية حقوق الملكية الفكرية والبنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد والشركات العاملة في مجال تلقي الأموال وحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك وتنظيم الاتصالات وتنظيم التوقيع الالكتروني.
حيث تعد المحاكم الاقتصادية محاكم جنائية ذات اختصاص خاص، يتقيد اختصاصها بالجرائم الناشئة عن القوانين الاقتصادية لذلك تختص بالجرائم الاقتصادية في الجانب الجنائي والجانب المدني المتعلق بها وعلي سبيل المثال مخالفة احكام قانون شركات المساهمة له جزاء جنائي وقد يرتب آثار من شأنها أن تكون محلا للدعوى المدنية التابعة
وتقوم الدائرة التي تنظر الدعوي بنظر الشق الجنائي والمدني والاقتصادي والتجاري في نفس الوقت بدلا من تحويل الشق الجنائي إلى محكمة الجنايات والشق المدني للمحكمة المختصة.
الفقرة الثانيةإختصاصات المحاكم الإقتصادية في القانون المصري
أولا: الإختصاص النوعي والقيمي للمحاكم الاقتصادية في القانون المصري
نظم المشرع المصري قواعد الإختصاص النوعي والقيمي للمحاكم الاقتصادية وفقا لأحكام المادتين الرابعة والسادسة من قانون 120 لسنة 2008 بشأن المحاكم الإقتصادية وذلك على النحو التالي : 
-          المادة‏(4)‏
"تختص الدوائر الإبتدائية و الإستئنافية بالمحاكم الاقتصادية ، دون غيرها ، بنظر الدعاوي الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين الاتية‏:-
1-              قانون العقوبات في شأن جرائم التفالس.
2-             قانون الإشراف والرقابة على التأمين في مصر.
3-             قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة .
4-             قانون سوق رأس المال‏.‏
5-             قانون ضمانات وحوافز الإستثمار.
6-             قانون التأجير التمويلي‏.‏
7-             قانون الايداع والقيد المركزي للأوراق المالية‏.
8-             قانون التمويل العقاري‏.
9-             قانون حماية الملكية الفكرية‏.‏
10-        قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد‏.
11-        قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لإستثمارها‏.
12-        قانون التجارة في شأن جرائم الصلخ الواقي من الإفلاس.
13-         قانون حماية الإقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
14-        قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية.
15-        قانون حماية المستهلك.
16-        قانون تنظيم الإتصالات.
17-        قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات". 

-          المادة (6) 
"فيما عدا المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة ، تختص الدوائر الدوائر الإبتدائية ، دون غيرها بنظر المنازعات والدعاوي التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق القوانين الآتية‏:‏
1-             قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لإستثمارها‏.
2-             قانون سوق رأس المال ‏.‏
3-             قانون ضمانات وحوافز الإستثمار.
4-             قانون التأجير التمويلي.
5-             قانون حماية الإقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
6-             قانون التجارة في شأن نقل التكنولوجيا والوكالة التجارية وعمليات البنوك والإفلاس والصلح الواقي منه.
7-             قانون التمويل العقاري‏.‏
8-             قانون حماية الملكية الفكرية‏.
9-              قانون تنظيم الإتصالات.
10-        قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.
11-        قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية.
12-        قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة.
13-        قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
وتختص الدوائر الإستئنافية في المحاكم الإقتصادية دون غيرها ، بالنظر ابتداء في كافة المنازعات والدعاوى المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة".
ثانيا: مدى اعتبار الإختصاص النوعي والقيمي للمحاكم الاقتصادية من النظام العام
إن المشرع المصري بإحداثه للمحاكم الاقتصادية كان أكثر جرءة  بتصنيفه لهذه المحاكم في إطار محاكم اقتصادية متخصصة يشمل مجال اختصاصاتها العديد من القضايا الاقتصادية سيرا على نهج بعض التشريعات المتقدمة وإن كان بعضها أجهض ميلاد الفكرة بإنشاء محاكم متخصصة ومستقلة وتراجع عنها والبعض الاخر لا زال يتوجه نحو التخصص
فيها والتساؤل المطروح هل يعتبر الاختصاص المخول للمحاكم الاقتصادية نوعيا من النظام العام؟
في البداية لابد من الإشارة أن المراد بالنظام العام المقصود منه بالتحديد النظام العام الاقتصادي المصري لأن النظام العام يتطور مع الزمان ويختلف من مكان إلى مكان ومن دولة لدولة فما قد يعتبر من النظام العام المصري قد لا يعد من النظام العام المغربي أو المقارن غير أن ما قد يجمعهم هي فكرة المصلحة العليا أو المصلحة العامة حسب كل دولة والتي تنطوي في ظلها مجموع القواعد الملزمة والآمرة التي تهدف لحماية المصلحة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية والفكرية لكل دولة و...، باعتبارها تشكل المصلحة العامة التي تسموا عن المصالح الخاصة للأفراد .
بالرجوع للمادة ‏(4)‏ من القانون المتعلق بإنشاء المحاكم الاقتصادية يتضح أن المشرع المصري جعل قواعد الاختصاص النوعي للمحاكم الاقتصادية من النظام العام، ويستشف ذلك ضمنيا من مفاذ العبارة التي استعملها المشرع المصري في المادة المذكورة، حيث نص "تختص الدوائر ... بالمحاكم الاقتصادية ، دون غيرها ، بنظر الدعاوي الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين الاتية...".
وبالتالي فاختصاص المحاكم الاقتصادية نوعيا من النظام العام، فلا يمكن لباقي الهيئات القضائية في التنظيم القضائي المصري البت في أحد القضايا التي تختص فيها نوعيا المحاكم الاقتصادية في إطار الاختصاص القيمي المخول لها.

المطلب الثاني: الإطار القضائي للمحاكم الاقتصادية في القانون المصري
إدا كانت المحكمة الاقتصادية من المحاكم المتخصصة التي يشمل اختصاصها مجموعة من المجالات الاقتصادية والتي كان موفقا المشرع المصري بتسميته لها بخلاف التسمية التي أعطتها لها بعض التشريعات المقارنة والتي تجعلها كما لو تضيق من اختصاصها بشكل لا يتلائم مع القضايا الاقتصادية الحديثة العهد ، فالتساؤل هنا هل كان موفقا المشرع المصري حتى في الجانب المتعلق بالتنظيم القضائي  للمحاكم الاقتصادية.

الفقرة الأولى: التنظيم القضائي للمحاكم الاقتصادية في مصر
أولا:تشكيل المحاكم الاقتصادية في التنظيم القضائي المصري
تنص المادة 1 من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية بأنه: "تنشأ بدائرة اختصاص كل محكمة استئناف محكمة تسمى " المحكمة الاقتصادية " يندب لرئاستها رئيس بمحاكم الاستئناف لمدة سنة قابلة للتجديد بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى ، ويكون قضاتها من بين قضاة المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف يصدر باختيارهم قرار من مجلس القضاء الأعلى .
وتتشكل المحكمة الاقتصادية من دوائر ابتدائية ودوائر استئنافية ، ويصدر بتعيين مقار هذه الدوائر قرار من وزير العدل بعد أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى .
وتنعقد الدوائر الابتدائية والاستئنافية المنصوص عليها فى الفقرة السابقة فى مقار المحاكم الاقتصادية ، ويجوز أن تنعقد ، عند الضرورة ، فى أى مكان أخر وذلك بقرار من وزير العدل بناء على طلب رئيس المحكمة الاقتصادية". 
ثانيا:تشكيل الهيئة القضائية في المحاكم الاقتصادية 
بمقتضى المادة 2 من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية  تتشكل كل دائرة من الدوائر الابتدائية الاقتصادية من ثلاثة من الرؤساء بالمحاكم الابتدائية.
 وتتشكل كل دائرة من الدوائر الاستئنافية من ثلاثة من قضاة محاكم الاستئناف يكون أحدهم على الأقل بدرجة رئيس بمحكمة الاستئناف
وبالرجوع للمادة 3 من نفس القانون تعين الجمعية العامة للمحكمة الاقتصادية فى بداية كل عام قضائي ، قاضيا أو أكثر من قضاتها بدرجة رئيس بالمحاكم الابتدائية من الفئة (أ) على الأقل ، ليحكم ، بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بأصل الحق ، فى المسائل المستعجلة التى يخشى عليها من فوات الوقت والتى تختص بها تلك المحكمة .
ويصدر القاضى المشار إليه فى الفقرة الأولى الأوامر على عرائض والأوامر الوقتية ، وذلك فى المسائل التى تختص بها المحكمة الاقتصادية .
 كما يصدر ، وأيا كانت قيمة الحق محل الطلب ، أوامر الأداء فى تلك المسائل ، وفى حالة امتناعه يحدد جلسة لنظر الدعوى أمام إحدى الدوائر الابتدائية أو الاستئنافية بالمحكمة بحسب الأحوال.

الفقرة الثانية: موقف الفقه القانوني المصري من التنظيم القضائي للمحكمة الاقتصادي
يتبين من التنظيم القضائي المصري تواجد ثمانية محاكم استئنافية، والمادة الأولى من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية تنص على إنشاء دائرة اختصاص بكل محكمه تُسمى محكمة اقتصادية يرأسها عدد من القضاة، ويقوم وزير العدل بانتدابهم لمدة سنة قابلة للتجديد. 
واختلف الفقه القانوني المصري إبان عرض مشروع قانون إنشاء المحاكم الاقتصاديةعلى اللجنة التشريعية بمجلس الشعب خلال اجتماعها برئاسة الدكتور فتحى سرور رئيس المجلس أنذاك، وخلص حينها ليحدد اقتصار مهام المحكمة الاقتصادية على الدور التنظيمى فقط، محذراً من تعارض القانون مع اختصاص مجلس الدولة.
الاتجاه الأول:يؤيد إنشاءالمحاكم الاقتصادية في إطار تنظيم قضائي مستقل عن المحاكم العادية 
الاتجاه الثاني:يعارض موقف إنشاء المحاكم الاقتصادية ويرى الاكتفاء بإنشاء دوائر متخصصة في إطار التنظيم القضائي
ونرى أن الاكتفاء بإنشاء دوائر متخصصة داخل التنظيم القضائي المصري من شأنه تلافي تداخل الاختصاصات من جهة والتخفيف من عبء الجمهورية المصرية في نفقاتها عن مرفق القضاء من جهة ثانية إدا علمنا أن تواجد محاكم استئناف تضم محاكم ابتدائية عدة وتواجد محاكم اقتصادية تضم دوائر ابتدائية واستئنافية يتطلب نفقات مهمة، إضافة لكون أمر تخصص القضاة أصبح جد مطروح ليس فقط في ظل التنظيم القضائي المصري بل حتى في التنظيم القضائي المغربي ذلك أن السير في إطار المحاكم المتخصصة والمحاكم المصنفة في التنظيم القضائي المغربي والمصري أمر يفرض ضرورة ملائمة هذا التوجه مع تكوين القضاة واختصاصهم حتى يتسنى لنا السير في منهج التخصص الدقيق بحسب طبيعةالقضايا.
وتبقى تجربة مصر الشقيقة في نهج أسلوب المحاكم المتخصصة وبالتحديد إحداثها للمحاكم الاقتصادية تجربة ناجحة رغم بعض المعيقات التي تواجههاغير أنها لحد الآن أبانت عن دورها الفعال في البت في الجرائم الاقتصادية والتي تدخل في إطارها مجموعة من الجرائم التي تمس بالنظام العام الاقتصادي في كل محتوياته وجوانبه في الجانب المتعلق بالتجارة والشركات التجارية والمعاملات المالية والمصرفية البنكية والتامينيات وحقوق الملكية وغيرها...
وفي انتظار أن تحدوا دول عربية أخرى حدوا المشرع المصري ومنها التشريع المغربي الذي ما زال يحتفظ بقواعد القانون الجنائي العام إلى جانب بعض القواعد الخاصة الواردة في نصوص خاصة مشتتة في إطارحماية الجانب المتعلق بميدان المال والاعمال او ما يعرف بالقانون الجنائي للاعمال الحديث العهد في إطار تسميته ، ومع انتظار إحداث محاكم اقتصادية متخصصة في هذا الإطار أو على الأقل غرف متخصصة للجرائم الاقتصادية داخل المحاكم العادية بدل الاكتفاء بدور المحاكم العادية في إطار الحد من الجرائم الاقتصادية التي أصبحت تتطور بشكل مخيف أمام استعمال التقنيات الحديثة لوسائل الاتصال عن بعد والتجارة الالكترونية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق