الأحد، 30 نوفمبر 2014

تنــــــــــــــــازع القوانيـــــــــــن

تنــــــــــــــــازع القوانيـــــــــــن ( القانون الدولي الخاص )

المقدمــــــــــــــــــــــــــة: 

ينشأ مشكل تنازع القوانين بمجرد ما أن يتضمن النزاع عنصرا أجنبيا أو عدة عناصر أجنبية تجعل القاضي ملزما باختيار القانون الواجب التطبيق.
وأمام حتمية الاختيار يلزم أن تطرح قاعدة القانون الدولي الخاص،أي قواعد الإسناد،عاملا للاختيار لذي يمكن القاضي من تطبيق قانون واحد بين القوانين المتنازعة. وعادة ما يكون أحد عناصر الحق هو العامل المعتمد عليه،والذي يكون قابلا لربطه بدولة ما،كالجنسية،أو موطن صاحب الحق،أو مكان وجود الشيء،أو مكان وقوع العقد...

فما هي إذن القواعد التي يتبعها القاضي في حله لمشكل تنازع القوانين؟.

المبحث الأول: إثارة نظام تنازع القوانين

تثار حتما إشكالية تنازع القوانين في النزاعات الدولية،أما تلك المتعلقة بالنزاعات الداخلية فالقاضي يطبق القانون المغربي دون أن تطرح مسألة اختيار القانون المختص. 
فإذا أثار احد الأطراف اختصاص قانون فيما أثار الطرف الآخر اختصاص القانون المغربي،فالقاضي ملزم بإعمال قاعدة الإسناد لتحديد القانون المختص. هنا وجب التمييز بين الحالة التي دعا فيها أحد الأطراف إلى تطبيق القانون المختص وتلك التي لم يدع فيها أي طرف لذلك.

-1حالة إذا ما دعا فيها احد الأطراف تطبيق القانون المختص:

القاضي ملزم بالرجوع إلى قاعدة الإسناد المغربية قبل تطبيق القانون الأجنبي(عدم رفض تطبيق القانون الأجنبي عندما تعينه قاعدة الإسناد المغربية).

*كلا الطرفين طالبا القاضي بتطبيق القانون الأجنبي: 

القاضي المغربي غير معفى من الرجوع على قواعد الإسناد وملزم بالرجوع إليها لأن مشرعه الوطني خاطبه بتطبيقها.

*كلا الطرفين طالبا بتطبيق القانون المغربي: 

بما أن قاعدة الإسناد تعين القانون الأجنبي،فإن المشرع سكت عن هذه المسألة 
وترك فيها الاجتهاد للقاضي،غير أن الفصل12 من ق.م.م الفرنسي نص على ان القاضي ملزم بالخضوع لرغبة الطرفين اللذين اتفقا على تطبيق القانون المغربي.

2-عدم إثارة أي طرف القانون الأجنبي:

ذهب الاجتهاد القضائي إلى انه تطبق تلقائيا قواعد الإسناد المنصوص عليها في ظهير 12 غشت1913 سواء طالب أم لا احد الأطراف بذلك. فكلما تضمن النزاع عنصرا أجنبيا،فقد ذهب الفقه إلى اعتبار قاعدة الإسناد من النظام العام،ولا خيار للقاضي في تعديلها أو إعمالها.

المبحث لثاني: تكييف النزاع الدولي المطروح:

أي نزاع مطروح يستوجب على القاضي اختيار الضوابط المنسجمة مع المسائل القانونية المطروحة في النزاع.

-نزاع داخلي: يتم الاختيار فقط بين مختلف القواعد المادية للنظام القانوني الداخلي.

-نزاع دولي:اختيار بين القانون الدولي الخاص (أية قاعدة إسناد يتعين تطبيقها على المشكل المطروح)
-المنهجية المتبعة: تكييف المسألة المطروحة (تصنيفها ضمن النوع المحدد قواعد الإسناد الموجودة) وتتطلب تحديد دقيق للموضوع ثم تصنيفه. بعد ذلك يجب على القاضي تحديد القانون الواجب التطبيق.

الفقرة الأولى: تحديد المسألة القانونية:

*موضوع التكييف: هو المسألة القانونية المطروحة التي تتكون مت ادعاء المشتكي ومن الوقائع التي يثيرها لتبرير ادعاءه،وهي مرحلة بسيطة لأن الأطراف يحددون الألفاظ المستعملة في المسألة القانونية المطروحة، في بعض الحالات يصعب ذلك خاصة حين يتضمن الطلب تعابير قانونية أجنبية،الشيء الذي يحتم معرفة المؤسسة قبل إمكانية التكييف. أيضا قد تكون المسألة المطروحة بتعابير عامة،حيث يقوم القاضي بتجزيئها إلى عدة مسائل قانونية تخضع لقوانين متعددة. 

الفقرة الثانية:تصنيف المسألة القانونية:

بعد تحديد المسألة القانونية يجب تصنيفها ضمن التصنيفات المبينة بقواعد الإسناد (إشكالية التصنيفات المعقدة من طرف القاضي وكيفية اختيار قاعدة الإسناد).
اتفق الفقه ان تكون قاعدة التكييف طبق قانون القاضي،لأن هذه العملية متعلقة بتأويل إرادة مشرع قواعد الإسناد المطبقة التي لا يمكن ان تكون إلا قاعدة القاضي. هذا من جهة،ومن جهة أخرى فبدون الرجوع إلى قانون القاضي في تكييف المسألة القانونية،يخشى الوقوع في حلقة مفرغة.
هنا يطرح إشكال غياب موضع للمسألة القانونية يمكن تكييفها ضمن تصنيفات القاضي: 
هذه الحالة متعلقة بكون القاضي يتسم بالشمولية أو النقصان،وإن كان من الناحية العملية فالمسألة القانونية تطرح إمكانية إدراجها ضمن صنفين أو أكثر، هنا يتعين اختيار أحدها.
-يتم التصنيف غالبا بالرجوع إلى المؤسسات القانونية المعروفة لدى القاضي طبق قانونه (الزواج،العقود...).
-إلزام تغطية قواعد الإسناد المحلية لمجموع المسائل القانونية المطروحة عامة. والحالة الأكثر شيوعا هي أن يدرج القاضي مؤسسة قانونية ضمن صنفين من التصنيفات التي وضعها مشرعه، وكل تصنيف إلى تطبيق قانون مغاير للذي حدده التصنيف الآخر. هنا يجب على القاضي اختيار أحد هذه التصنيفات اعتمادا على العنصر الأولي والأساسي في المسألة القانونية.

المبحث الثالث: تحديد النظام القانوني المختص (تطبيق قاعدة الإسناد)

الفقرة الأولى: التحليل الهيكلي لقاعدة الإسناد:

قاعدة الإسناد: هي قاعدة قانونية ترشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على المراكز القانونية على المراكز القانونية ذات العنصر الأجنبي. إن قاعدة الإسناد باعتبارها كباقي القواعد القانونية فإنها تقوم على ركنين،ركن الافتراض وركن الأثر القانوني،غير أن اركن الافتراضي لقاعدة الإسناد يشمل عنصرين: ضابط الإسناد والفكرة المسندة.
أما ركن الأثر القانوني فيتمثل في تعيين القانون الواجب التطبيق.مثال:الفصل3 من الظهير المنظم للوضعية المدنية للجانب والفرنسيين12 غشت1912)ينص على: "تخضع الأحوال الشخصية والأهلية الشرعية للأجانب والفرنسيين لقوانينهم الوطنية" الفكرة المسندة هي"الأحوال الشخصية والأهلية الشرعية". وضابط الإسناد هو "القانون الوطني""

الفكرة المسندة: هي الفئات المختلفة التي تتولى قواعد الإسناد بتصنيف عدة مراكز وعلاقات قانونية إليها. وكل فكرة مسندة تضم مجموعة من المراكز مسندة ضابطا خاصا يسندها إلى قانون معين.

ضابط الإسناد: هو المرشد والمعيار المختار الذي يستهدي به القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على الفكرة المسندة،حيث تتعدد صوره فنجد:

*إسناد بسيط: بحيث تتضمن القاعدة ضابط إسناد واحد

*إسناد مركب: ويتكون من نوعين : 

الإسناد الموزع: وهو قاعدة إسناد وحيدة تحيل إلى اختصاص قوانين عدة

الإسناد التخييري: تتضمن القاعدة ضوابط إثبات متعددة تخييرية

الفقرة الثانية:خصائص قاعدة الإسناد:

من خصائص قاعدة الإسناد أنها:

*قواعد وطنية: مصدرها داخلي،غير العديد منها تستمد مصدرها من المعاهدات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الخاص التي تنقسم إلى: نوع يهدف إلى توحيد قواعد الإسناد لقواعد إسناد واحدة في كل دولة متعاقدة (معاهدة روما حول القانون المختص على الالتزامات التعاقدية). ونع من المعاهدات تضع قواعد مادية موحدة تستوجب إعمالها في جميع الدول المتعاقدة (معاهدة الأمم المتحدة بشان البيع الدولي للبضائع المادية المنقولة.)
*قواعد مزدوجة الجانب: يمكن أن تشير إلى اختصاص قانون القاضي أو القانون الأجنبي.
*قواعد محايدة: دورها هو تحديد القانون الأقرب صلة بالمركز القانوني من وجهة نظر المشرع الوطني بغض النظر عن مضمون القانون وآثار تطبيقه.

المبحث الرابع: تطبيق القانون الأجنبي:

هناك اختلف الفقهاء حول اعتبار القانون الأجنبي قانونا (صادر عن الدولة) او واقعا(تشبيهه بالعقد).ولتوضيح هذا الاختلاف بين واقعية وقانونية القانون الأجنبي سنتطرق إليه من ثلاث زوايا: عبء الإثبات-مسطرة الإثبات وتأويل القانون الأجنبي.

1-عبء الإثبات: 

في حالة إثارة أحد الأطراف اختصاص القانون الأجنبي أو التصريح التلقائي للقاضي بذلك،وأمام جهل القاضي بمضمونه،من يقع على عاتقه إثبات مضمون القانون؟ الذي طال بتطبيقه،أو الطرف الآخر،أو القاضي؟

-فرنسا قبل1988: يقع عبء الإثبات على الطرف الذي يخضع مضمون ادعائه القانون الأجنبي،في حالة تعذر ذلك فإن القاضي يطبق القانون الفرنسي إذا كان المعني بالأمر حسن النية،عكس ذلك (تعمد عدم تقديم إثبات القانون الأجنبي لأن تطبيق القانون الفرنسي في صالحه) فالقاضي يعلن أن الدعوة غير مؤسسة.

بعد اكتوبر1988: القاضي ملزم بالبحث تلقائيا عن مضمون القانون الأجنبي. غير أن الرجوع إلى الشهادة العرفية هو منتقد عمليا لعدم حياد محرر الشهادة(يروم من خلالها تأييد وجهة نظر طالبها. لذا في حالة إذا أدلى كلا الطرفين بشهادتان متناقضتين على القاضي إجراء مقارنة لاستنتاج الأصح بمقارنة قيمتها الرسمية او الرجوع إلى خبير أو طلب شهادة عرفية. كما يمكن للقاضي استشارة خبير او مستشار قانوني لتوضيح مضمون القانون الأجنبي.

2-طرق الإثبات: 

يتوفر الأطراف على وسيلة لإثبات مضمون القانون الأجنبي وهي الشهادة العرفية: تحرر باللغة العربية او تترجم إليها وتنجز من طرف القنصلية او سفارة الدولة الأجنبية بالمغرب،حيث تكون مقتضبة وتقتصر فقط على النصوص القانونية المطبقة على النزاع . أما إذا حددت من طرف رجل القانون فيمكن أن تشمل إضافة إلى النصوص القانونية،اجتهادات القضاء الأجنبي في الموضوع.

3-تأويل القانون الأجنبي: 

مهمة القاضي وهي تختلف عن تلك التي يقوم بها أثناء تفسيره للقانون المغربي (احترام القانون المغربي بمفهومه الضيق) إذ أن وفي حالة تطبيق القانون الأجنبي بموجب قاعدة الإسناد،القاضي ملزم أن لا يعطي للقانون الأجنبي مفهوما آخر غير الذي أعطي له من طرف الاجتهاد القضائي لنفس الدولة،إذن محدودية تفسير القاضي لمضمون القانون الأجنبي. هنا يجب الإشارة إلى خضوع قضاة الموضوع لرقابة المحاكم العليا حين تفسر القاعدة القانونية الأجنبية والتي تستوجب التمييز بين ثلاث مراحل:


أ-مرحلة الحماية:

أمام تباين مسطرة النقض حيث البث في طلبات النقض كان لمحكمة النقض الفرنسية التي كانت تعتبر الخطأ في تطبيق القانون الفرنسي موجبا للنقض أي تعتبره مسألة قانون في مواجهة الحكام النهائية الصادرة عن المحاكم العصرية المغربية في المنازعات ذات العنصر الأجنبي من تلقاء نفسه بل بطلب من الخصوم وله كامل الحرية بتطبيقه بالطريقة التي يراها،مما استوجب ضرورة تأسيس محاكم نقض مغربية للنظر في طلبات النقض هاته.

ب- مرحلة بعد تأسيس المجلس الأعلى: 

(ظهير27شتنبر1957 المؤسس للمجلس الأعلى) أصبح المجلس الأعلى يمارس رقابته على تطبيق القوانين الأجنبية المتعلقة بالأحوال الشخصية(الفصل13 من الظهير23شتنبر1957)،أما فيما عدا ذلك فهو حر في تمديد رقابته عليه او ترك ذلك لتقدير محكمة الموضوع من خلال اعتبار القانون الأجنبي مجرد واقعة، دون إخضاع قرارها للمراقبة.

ج- بعد صدور ظهير المسطرة المدنية: 

(ظهير28شتنبر1974) أحدث هذا الظهير تغييرا جذريا في مجال الرقابة المفروضة من طرف المجلس الأعلى على تطبيق القانون الأجنبي(الفصل359) عند تبيان أسباب طلب النقض لم يذكر خرق القانون الأجنبي المتعلق بالأحوال الشخصية مما يستلزم رقابة غير مكرسة قانونا.
ومن خلال اجتهادات المجلس الأعلى في الموضوع يتبين أنه مازال يعتبر ان خرق القانون الأجنبي الشخصي موجب للنقض رغم حذف هذا السبب من ق.م.م مستندا في ذلك على السبب الأول المضمن في فصل 395 ق.م.م وهو خرق القانون الداخلي التي هي قواعد الإسناد النصوص عليها في ظهير 12غشت1913 حيث من خلال رقابة المجلس الأعلى لكيفية تطبيق القاضي لقاعدة الإسناد المغربية كان يمدد رقابته لتشمل القانون الأجنبي.

المبحث الخامس: استبعاد القانون الأجنبي: 

هناك حالات يستبعد القاضي تطبيق قانون أجنبي تعينه قاعدة إسناد،في قضية تتضمن عنصرا أجنبي. أسبابها: استحالة تطبيق القانون الأجنبي-التحايل على القانون-تعارضه مع النظام العام.

1-استحالة تطبيق القانون الأجنبي: 

وذلك في ثلاث حالات هي:
-تعذر تعيين القانون المختص بسبب انعدام أحد العناصر التي يتوقف عليها إعمال قاعدة الإسناد (القانون المختص هو القانون الوطني الشخصي-الشخص بدون جنسية).
-تعذر تعيين مضمون القانون الأجنبي (نادر الحصول لوفرة وسائل الاتصال)
-إغفال الخصوم التمسك بالقانون الأجنبي.
2
-النظام العام: 

أ-مفهوم النظام العام ودوره: 

النظام العام هو نظام متعدد الجوانب (خلقي،اجتماعي، اقتصادي،سياسي) أي لا يمكن حصره في دائرة معينة وهو مختلف من حيث المكان (من دولة لأخرى) ومتغير مع الزمان (يقدره القاضي وقت المنازعة المطروحة لديه). والدفع بالنظام العام هو وسيلة قانونية يستبعد بها القاضي الاختصاص المعقود للقانون الأجنبي متى تعارضت أحكامه مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام المجتمع في بلد القاضي).
عن فكرة إعمال النظام العام في مجال تنازع القوانين لا يكون في مرحلة وضع قواعد الإسناد بل في مرحلة إعمالها وتطبيق أحكام القانون الأجنبي التي تسند إيه والدفع يكون باستبعاد القانون الأجنبي بتطبيق قانون القاضي حيث يكون هذا الإجراء استثنائيا.
ويشترط في ذلك (الدفع بالنظام العام) أن يكون القانون الأجنبي واجب التطبيق وفق قاعدة الإسناد في قانون القاضي وأن يتوافر مقتضى من مقتضيات النظام العام يستدعي استبعاد تطبيق القانون الأجنبي. غير أن المقتضيات غير محددة حيث يرجع للقاضي مسألة تقديرها من خلال استنباطها من المكونات الأساسية والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع والتي تخضع لرقابة المجلس الأعلى. وللنظام العام ثلاثة أدوار:
1-يعمل على إبعاد القوانين الأجنبية التي تتضمن حلولا ظالمة أو مناقضة للقانون الطبيعي.
2-ضمان حماية المبادئ (الأسس الاجتماعية والسياسية للدولة المغربية كالدين واللغة ...)
3-حماية بعض أنواع السياسة التشريعية.

ب-أثر الدفع بالنظام العام: 

وجب التمييز هنا بين الدفع أمام القاضي بشأن علاقة تمت في بلده وأن يثار الدفع بشأن علاقة تمت بالخارج ويراد التمسك بآثارها في بلده.

-الحالة الأولى:

أثر الدفع بالنظام العام لاستبعاد القانون الأجنبي وتطبيق قانون مكانه.

-الحالة الثانية: 

أثر الدفع بالنظام العام بمناسبة التمسك في بلد القاضي بحق اكتسب في الخارج،يبحث القاضي هنا هل نفاذ الحق في بلده يخالف النظام العام في بلده أم لا،هنا يكون أثر الدفع مخففا في بعض الحالات التي لا يتعارض فيها نفاذ الحق مع مقتضيات النظام العام أما إذا تحقق التعارض يتحرك الدفع ويمنع التمسك بآثار الحق(جزاء مخالفة النظام العام لا يكون بطلان العلاقة وإنما عدم سريان آثارها في بلد القاضي-طلاق الأجانب بفرنسا قبل1884).


مفهوم النظام العام:

هو مفهوم حاضر في جميع المنظومات القانونية وهو نسبي وغير قار حيث يتباين من مجتمع لآخر ومتباين من زمن لآخر حتى في نفس الدولة. تروم فكرة النظام العام إلى صيانة المجتمع الوطني ورعاية الأسس القانونية والمصالح الجوهرية بغض النظر عن مجال استخدام هذا المفهوم. هنا وجب التمييز بين النظام العام الداخلي (مجموع القواعد القانونية الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها دورها الحد من سلطان الإرادة). والنظام العام الدولي(وسيلة لاستبعاد القانون الأجنبي المعين بموجب قاعدة الإسناد الوطنية حين تخالف مقتضياته الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية لمجتمع دولة القاضي).

تاريخ تطور مفهوم النظام العام المغربي:

فترة الحماية: 

ظهير12-8-1912 كان الأساس أن فكرة النظام العام الدولي لا دور لها في المغرب في مادة الأحوال الشخصية(الفقيه الفرنسي جوزيف دولابراديل) سنة1936 تم التراجع عن هذه الفكرة.

-بعد الاستقلال:
بداية التحول (صدور ظهير24-4-1959):بدأت المحاكم الشرعية تنظر في الأحوال الشخصية للأجانب المسلمين،وسنة1965 تمت توحيد القضاء ومغربته،وصدر أول دستور للمملكة سنة1962 (واجب القاضي استبعاد كل قانون أجنبي يخالف المبادئ العامة المقررة في الدستور)

تنازع الاختصاص القضائي الدولي

إن اختصاص كل دولة يعنيه تشريع هذه الدولة نفسها سواء تعلق الأمر باختصاص داخلي أو خارجي حتى و إن كانت القضية تشمل على عنصر أجنبي فتشريعات الدول هنا تكمل في تحديد حالات اختصاص محاكمها،دون تعيين الدولة الأجنبية التي تعود إليها الاختصاص إن لم يسند الاختصاص لمحاكمها أي ما يعرف بقواعد تنازع الاختصاص القضائي التي تحدد المحكمة المختصة.في حين انه في حالة تنازع القوانين يمكن لتشريعات الدول أن تعين المجالات التي يكون فيها الاختصاص إلى قانون أجنبي وتأذن لمحاكمها بأن تطبق ذلك القانون الأجنبي إن كانت محاكمها مختصة.
إذن ليس هناك تماثل بين:قواعد الاختصاص القضائي: تحدد المحكمة المختصة و قواعد الاختصاص القانوني: تحدد القانون المختص
إن كان هناك فرضا تماثل بينهما فالجهاز القضائي لا يبث إلا في القضايا التي تخضع للقانون الوطني أي أنه لا وجود لإشكالية تنازع القوانين لأنه يكفي تحديد القضاء المختص لمعرفة القانون المختص.
مسألة تنازع الاختصاص القضائي تتعلق بتسيير مصلحة عامة ؛القضاء؛ حيث تخضع هذه المؤسسة لسيادة الدولة و لا يمكن لدولة أخرى أن تتجاوز حدود سيادتها لتلزم محاكم دولة أخرى للبث في قضية تشمل على عنصر أجنبي. 
في حين أنه بإمكان الدولة أمر محاكمها تطبيق قانون أجنبيا لأن الأمر هنا يتعلق فقط بعلاقات خاصة لا تمس المصلحة العامة للدولة الأخرى.
الإشكالية المطروقة هنا هي بمناسبة آثار الأحكام الأجنبية الناشئة عن ممارسة نشاط الخواص خارج حدود دولتهم الشيء الذي يؤدي إلى نشوء روابط بين أجهزة القضاء أو بشكل أوضح هل بإمكان قانون دولة ما التدخل في وظيفة القضاء داخل دولة أخرى و ما هو العمل في حالة آثار الأحكام الأجنبية على نشاطات الخواص الممارس خارج حدود دولتهم (نشوء روابط بين أجهزة القضاء)
سنتناول موضوع الاختصاص القضائي من خلال الاختصاص الدولي للمحاكم المغربية و الآثار الدولية للأحكام أو تنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب.

المبحث الأول : الاختصاص الدولي للمحاكم المغربية:

ان تنازع الاختصاص القضائي الدولي هو بالدرجة الأولى تنازع اختصاص محلي فالمقصود هنا هو تعيين الدولة التي يعود الاختصاص لمحاكمها ثم تطبيق قواعد الاختصاص الداخلية (أي قواعد الاختصاص النوعي ثم المحلي).

المطلب الاول :المبادئ العامة للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المغربية:

هل يتضمن القانون المغربي قواعد الاختصاص القضائي الدولي؟ 

غياب أي نص في هذا الجانب سواء تعلق الأمر بظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالوضعية المدنية للأجانب أو بقانون المسطرة المدنية.
إذن حتمية الرجوع بصفة عامة للقواعد الداخلية المتعلقة بالاختصاص المحلي وتطبيقها حتى بالنسبة لتنازع الاختصاص القضائي الدولي.

ما هي القواعد العامة الواجبة التطبيق؟

هي تلك المضمنة الفصول 27 ــــ 30 ،217 ، 219 من قانون المسطرة المدنية والفصلان 7 -8 من مرسوم 29 -1-1970، والفصول الواردة في ظهير 10 غشت 1970، ( والتي تحدد الاختصاص المبدئي لمحكمة المدعى عليه، ثم هناك عوامل ارتباط موضوعية حين تواجد أحدها فوق تراب المغرب يعقد الاختصاص للمحاكم المغربية،وهناك حالات يكون الاختصاص القطعي للمحاكم المغربية،و هناك حالات تم إسناد الاختصاص في شأنها للقضاء المغربي انتقدت من طرف الفقهاء.

أ - الاختصاص المبدئي لمحكمة موطن المدعى عليه :

المشرع : اختصاص المحاكم المغربية إذا كان الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه بالمغرب، أو محمل إقامته بالمغرب (تفضيل محل إقامته بالمغرب على الموطن بالخارج للمدعى عليه)

ب - اختصاص المحاكم المغربية بناء على عوامل ارتباط موضوعية: (عوامل الارتباط موجودة بالمغرب) 

.تعدد الدعاوى التي تعقد الاختصاص فيها للمحاكم المغربية بناء على عوامل الارتباط الموضوعية: نذكر عامل وجود العقار بالمغرب (الدعاوى العقارية). إقامة عادية بالمغرب للولد المدعى (دعاوى النفقة).محل وقوع الضرر بالمغرب (دعاوى التعويض).

ج ـ الاختصاص القطعي للمحاكم المغربية: 

بالرجوع إلى الفصل 217 ق.م.م إذا حصلت واقعة الولادة أو الوفاة بالمغرب ولم يتم التصريح بها خلال الأجل المحدد لضابط الحالة المدنية المختص فان المحكمة المختصة للنظر في تسجيل الواقعة هي محكمة محل حصولها(أي أن نزاعات القانون العام يعقد الاختصاص للمحاكم المغربية فهو قطعي ولا يمكن لأي جهة قضائية أجنبية أن تتدخل في هذا الجانب).

د ـ حالات توسع المشرع أو القضاء في إسناد الاختصاص للمحاكم المغربية:

. إسناد الاختصاص بناء على موطن أو إقامة المدعي بالمغرب (عدم وجود موطن أو محل إقامة المدعى عليه ) ـــــ منح اختصاصا غير عادي وغير موضوعي للقضاء المغربي في نزاعات دولية.
. إسناد الاختصاص بناء على محل إقامة الضحية بالمغرب ( خاصة في قضايا الشغل والأمراض المهنية) كان بالأحرى هنا إسناد الاختصاص لمحل وقوع الحادث لأنه المكان أكثر تأهيلا لجمع المعلومات 

المطلب التاني ــ المسطرة المطبقة :

في حالة إسناد الاختصاص للمحاكم المغربية للنظر في نزاع دولي، تطبق مقتضيات ق م م وجميع القواعد الإضافية المتعلقة بالمسطرة التي يجب أن يعين مفهومها بمقتضى قانون القاضي.
وبالرجوع لقانون المسطرة المغربي نجد ان في بعض المواضيع ( قواعد الإثبات)منها قواعد متعلقة بوسائل الإثبات مدرجة في قانون م م وقواعد أخرى مدرجة في القوانين الجوهرية كقانون الالتزامات والعقود والقانون التجاري، فما تعلق بمقتضيات قانونية مسطرية محضة تخضع لقانون القاضي وما تعلق بمقتضيات جوهرية وموضوعية فهي خاضعة للقانون المختص بناء على قواعد الإسناد. وان كان أحيانا يصعب التمييز بين الجانب الذي يجب أن يتبع المسطرة والآخر الذي يجب أن يتبع الجوهر.
هنا اتفق الفقهاء على قاعدتين:1 عبء الإثبات ومحله يخضعان للقانون الذي يحكم الجوهر. 2 كيفية استعمال وسائل الإثبات تخضع لقانون القاضي.
في الختام لابد من الإشارة أن الأمر يحتاج أحيانا إلى دعوى موضوعة أمام محاكم دولة إلى انجاز بعض الإجراءات داخل دولة أخرى (إجراء تحقيق سماع شهود) والتي يتعذر انتقالهم الى المحكمة المعروضة عليها الدعوى،فانه يتم لجوء المحكمة إلى إنابة قناصل دولتها إن أمكن الأمر وهو ما يصطلح عليه بالإنابة القضائية الدولية ( مؤطرة بواسطة الاتفاقيات القضائية المبرمة والتي تحدد القواعد الخاصة بالإنابة القضائية على وجه التبادل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق