الجمعة، 5 ديسمبر 2014

الجريمة الاقتصادية بين النظام المالي الإسلامي والأنظمة الاقتصادية الحديثة


- بوادر قيام الجريمة الاقتصادية في النظام المالي الإسلامي
 إذا كان الكل يجمع بأنه لم تعرف الشريعة الإسلامية مصطلح «الجريمة الاقتصادية» إلا حديثا ولم تستخدم تعابير العقوبات الاقتصادية سابقا، فإن بعض الفقهاء يستدل على وجود تجليات لهذه الجريمة في الشريعة الإسلامية ويذكر على سبيل المثال مؤسسة الحسبة التي يرأسها المحتسب الذي كان يتولى مراقبة النشاط الاقتصادي في المجتمع الإسلامي، وكان له الحق في فرض العقاب الذي يراه كي يصون المجتمع ومصلحته وفق قواعد الشريعة. مما يعني أن النظام المالي الإسلامي كان يقوم على مراقبة الأفعال التي تخل بقيم وعادات وأخلاق التجارة في ظل الدولة الإسلامية، كما كان يعاقب على المخالفات التي قد يقوم بها التجار وتكون لها آثار سلبية على المصالح الاقتصادية للتجار المسلمين، والأدلة من مصادر الشريعة الإسلامية تتعدد بشأن التأكيد على تحريم ومعاقبة القائمين بمثل هذه التصرفات فقد قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم"من غشنا فليس منا"، كما قال"لا ضرر ولا ضرار"،...
غير أن الملاحظ أن الجريمة الاقتصادية لم يكن بإمكاننا الحديث عنها في تلك المرحلة باعتبار أن العمل التجاري بين المسلمين كان محدود ولم يأخذ شكل متطورا بالشكل الذي كان قد يمس بمصالحهم الاقتصادية العامة، فكان الضرر الحاصل جراء مزاولة المسلمين التجارة محدود فيما بين التجار أو بينهم وغيرهم من المتعاملين معهم، دون أن يرتقي بالشكل الذي كان يسمح بقيام الجرائم الاقتصادية.
- تطور الجريمة الاقتصادية في الأنظمة الاقتصادية الحديثة
تعد الجريمة الاقتصادية من الجرائم المدخلة حديثاً في التشريع العقابي للدول. ويمكن القول إن فكرة التشريع الجزائي الاقتصادي بدأت بالظهور إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، لما اقتضته هذه الحرب من وضع أنظمة لتسعير المواد الغذائية والتموينية وتوزيعها بالبطاقات ومكافحة الاحتكار والتلاعب بهذه المواد، وعقب الحرب خطت التشريعات المتصلة بالجرائم الاقتصادية خطوات ملحوظة ورافقت الثورة الاقتصادية التي قامت في بعض الدول ثورات سياسية واجتماعية، وظهرت الأنظمة الاشتراكية والفاشية والنازية، وبرز التشريع الجزائي الاقتصادي أو ما يطلق عليه بقانون العقوبات الاقتصادي في هذه الدول على نحو يتباين نطاقه ومداه لحماية التشريعات الاقتصادية التي أصدرتها. وكان من نتيجة الأزمة الاقتصادية الكبرى التي أحاقت بدول عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1929 أنه سارعت هذه الدول إلى تنظيم اقتصادها وفق سياسة تخطيطية موجهة مختلفة الدرجة، فاستنّت لهذا الغرض تشريعات تتصل بحماية النقد وتنظيم الإنتاج والتجارة الخارجية. وأوصلت الحرب العالمية الثانية 1939-1944 ونتائجها التشريع الاقتصادي إلى ذروته حيث عمدت الدول المختلفة لإصدار تشريعات تتصل بحماية النقد وتنظيم الإنتاج والتجارة الخارجية. كما أصدرت في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلص من السيطرة الأجنبية تشريعات مختلفة تستهدف توزيع المواد الإنتاجية والغذائية والسلع على نحو عادل. وهكذا أخذ قانون العقوبات الاقتصادي في النمو والتطور والاتساع بصورة مستمرة في دول كثيرة، مما دعا إلى البحث والنظر في إمكانية استقلاله عن قانون العقوبات العادي وإرساء قواعد وأحكام خاصة به، وهو في بعض الدول تشريع خاص يشتمل أحياناً عقوباتٍ مالية لها طابع إداري أو تأديبي أو اقتصادي إلى جانب عقوبات سالبة للحرية، ويستند هذا التشريع إلى الظروف الاقتصادية ومصلحة السياسة والنظام الاقتصاديين، ولهذا كانت التشريعات محدودة وخاصة يمكن إلحاقها بقانون العقوبات شأنها في ذلك شأن التشريعات الجزائية الأخرى، ولا تشكل تشريعاً مستقلاً بذاته، وذلك ما هو عليه الحال في الدول الرأسمالية ذات النظام الاقتصادي الحر التي تهدف فيه هذه التشريعات إلى حماية النظام الرأسمالي وهو أمر لا يستدعي قيام تشريع عقابي مستقل قائم بذاته. أما الدول ذات النظام الاشتراكي فقد وضع معظمها قانون عقوبات اقتصادي مستقل شمل كثيراً من الأمور التي لم تتعرض لها تشريعات الدول ذات النظام الرأسمالي، أما الدول التي لم تضع قانون عقوبات اقتصادي خاص فقد أدرجت الجرائم الاقتصادية في قانون العقوبات لديها انطلاقاً من مبدأ أن هذه الجرائم هي جرائم عادية، لكن هذه الدول جميعها أخذت بالمفهوم الواسع للجريمة الاقتصادية. وهكذا يمكن القول: إن هنالك مفهومين رئيسيين للجريمة الاقتصادية:
وبصورة عامة فإن قانون العقوبات الاقتصادية احتوى أنواعاً مختلفة من الجرائم حسب طبيعة النظام الاقتصادي لكل دول فنجد على سبيل المثال التصنيفات التالية:
1- الجرائم الموجهة ضد النظام الاشتراكي.
2- الجرائم الموجهة ضد الملكية الاشتراكية.
3- جرائم الإضرار بالاقتصاد الوطني.
4- جرائم الإضرار بالأموال العامة.
5- الجرائم المتعلقة بالعمل لدى الدولة.
ويلاحظ أنه مع سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ مع مطلع التسعينات أصبحت الدول اليوم تنهج سياسة التخفيف من عقوبات بعض الجرائم الاقتصادية، مع تبنيها مفهوم واسع للجريمة الاقتصادية من خلال شمولها لكل الأعمال التي من شأنها إلحاق بالاقتصاد القومي والسياسة الاقتصادية لكل دولة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق